حمزة جبودة
1- هل دخلت ليبيا العام 2024؟
الإجابة: لم تدخل، لأنها مازالت محتلةً! وتنتقل بين ثلاثة أعوام ولم تتحرر ، العام 1951 والعام 1969 والعام 2011.. ليبيا ليست بلدًا حقيقيًا، ليست وطنًا كما يصفها البعض، بل عبارة عن بقعة جغرافية قادها القدر والجهل معًا، إلى مسارها الطبيعي بفِعل الأوهام، المسار الذي يؤدي إلى خرابها الأخير.
الخراب الذي لهُ مسميات ساذجة، ومنها “النفط والغاز، الشعب الواحد أو الشعب المحافظ”، الخراب الذي صنع رجالاً من ورق وحاضر ومستقبل موجود فقط على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية. وإن فتّش أحدهم عن السياسة أو الاقتصاد فيها فلن يجدها إلا في تصريحات المسؤولين والسفراء والمهتمين بالخراب الأخير!
لستُ متشائمًا، بل أحاول أن أكون أكثر واقعية وإن كانت صادمة. أين هي ليبيا؟ طرابلس؟ بنغازي؟ سبها؟ المنطقة الغربية؟ المنطقة الشرقية؟ المنطقة الحنوبية؟ أين هي ليبيا؟
أين هي الهوية الوطنية؟ دعكم من الخُطب الرنّانة التي نسمعها في المناسبات الرسمية، دعكم من الاحتفال باليوم الوطني للزي الليبي، دعكم من كل هذا، الهوية الوطنية تُقاس بما هو أهم بكثير، تُقاس بقوة السيادة الوطنية، تُقاس بالقرار الليبي دون أي تشويش خارجي، الهوية الوطنية تُقاس بالتنازالات لأجلها.. ليبيا. وللأسف، لا أحد يتنازل ولا أحد تهمه الهوية، والجميع يتهم الجميع!
2- أنصار الخيمة وفبراير.. والملك!
أتذكر جيّدًا تاريخ 20 أكتوبر 2011، التاريخ الذي سجّل حادثة “نادرة” وهي قتل العقيد معمر القذافي، بعد شهور من البحث عنه، وهي الحادثة التي مازلت أراها بالغامضة. لا يُعقل قتل القذافي الذي حكم “الجماهيرية الليبية” 4 عقود، هكذا ببساطة يُقتل! بدون أي محاكمة بدون معرفة كواليس الحكم ومن كان ضمن منظومة “العقيد” من قبض الثمن؟ من خان؟ من ضحِك على الليبيين والليبيات؟ لا يُعقل أن يفعل معمر القذافي كل هذا لوحده!
لماذا ذكرت ما ذكرته الآن؟ ببساطة لأن كل شيء في ليبيا مرتبطًا ببعضه، كل شيء، بدءًا من التواريخ الذي ضيّعت ليبيا، بالثورة التي لم تتوقف منذ الستينات.
بعد مقتل القذافي، وقع حُكّام ليبيا الجُدد، في مأزق كبير، كيف يحكمون البلد كما كان يحكمها العقيد؟ أين هي الخطة السحرية التي كان يملكها القذافي؟. بعد مقتل القذافي، حاول أغلب الحُكّام الجدد تقليد “الطاغية” عبر تسمية الشوارع بأسماء “عصر ثورة فبراير”، أنشأوا كتائب ثورية لحماية “ثورة الشعب الفبرايري” فقط، حاولوا ترسيخ واقعًا جديدًا لهم، عبر اللقاءات الصحفية وسرد البطولات في مواجهة “الطاغية”، سيطروا على كل الممتلكات العامة وطردوا من فيها، بدعم قانون العزل السياسي. ثم بعد هذا وأكثر، اكتشفوا بأنهم أضعف بكثير، نفوذهم ينكمش كل فترة وأخرى، فشلوا في توحيد الليبيين والليبيات، تحول أغلبهم إلى أصحاب العقارات والملايين والمليارات. ثم بعدها أخبروا الشعب بعد أن أثبتوا فشلهم على أرض الواقع، بأن المصالحة الوطنية هي الحلّ!
ومازالت الخُذع تتكاثر.. تغيّرت المفاهيم، تفرّقت “جماهير فبراير” وضربت بعضها، ظهر مرة أخرى بعض قادة “الجماهيرية” على ساحة “فبراير” ومعها تفرّق “جماهير الفاتح” وانقسمت حين الأخرى بين مؤيد لقبول الواقع الجديد وبين من مازال متمسكًا بفِكره وأن أبناء القذافي هُم الحلّ، وفي زحمة هذا الماراثون العبثي، تُراقب “جماهير الملكية” واقع ليبيا، وهي تُردد: الملكية هي الحل.
3- والحل؟!
بسيط ومُعقّد في آن. ثلاثة محطات هامّة ومفصلية في تاريخ ليبيا، غيّرت المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، انتقلنا من خلالها إلى مراحل لن تُنسى أبدًا.
الحل في إنهاء هذه المراحل كُلّها، الحل في احترام كل محطة وكل مرحلة زمنية، والنظر إلى كل هذه المحطات التاريخية، بأنها جزءًا من تكوين الدولة الليبية، البحث عن بديل مختلف، عقد اجتماعي حقيقي، يفصل حكم القذافي ومرحلة فبراير وقبلهما الفترة الملكية، واحترام كل مرحلة باعتبارها حقيقة لن تُمحى أبدًا.
لا الانتخابات ولا الحكومات الحالية أو من بعدها، أو المجالس المتعددة غربًا وشرقًا، الحلّ الحقيقي لواقع ليبيا، الحل كما قُلت، بسيط ومُعقّد في آن، وبمعنى أكثر، يجب علينا اعتماد فكرة واحدة وهي: “الهدم والبناء”، طي صفحة التواريخ، وفتح صفحة جديدة لا ثورات، لا خسارات أو انتصارات لطرفٍ ما على حِساب الآخر.