منصة الصباح

حكايات من قلب الواقع.. قصة الفتاة “ر .ع” ومنغصات الزميلة الحاقدة وأشياء أخرى

رصد: آمنة رحومة

عملت «ر.ع» بعد تخرجها من الجامعة سنة 2010 بتقدير جيد جداً في تخصص محاسبة بإحدى مؤسسات الدولة. كانت تبدل جهداً مضاعفاً لتثبت نفسها بين زملائها في مجال عملها، وبالفعل بعد مضى أشهر بسيطة لاقت «ر.ع» إعجاب مديرها وزملاءها وحصلت لأول مرة على مكافأة مالية لم تكن تتوقعها، فرحت بها فرحاً كبيراً، هنأها بعض زملاءها وزميلاتها، وبعد خروجها من العمل ذهبت إلى محل الحلويات اشترت منه ما لذ وطاب  وعادت به صحبة أبيها إلى البيت.

الأب مع أنه لم يسألها عن شئ إلا أنه كان سعيداً لرؤيته ابنته الوحيدة سعيدة، وعند دخولها للبيت محملة «بسفرة الحلويات المتنوعة» وضعتها على طاولة الأكل،، وهرعت بسرعة وهي تضحك إلى حضن أمها وهي تقول لقد حصلت اليوم على مكافأة مالية والمدير أعجب بعملي الذي قمت به.

كأي أم ليبية أطلقت تلك الزغروتة تعبيراً عن الفرحة بابنتها، ودخل الأب مستغرباً وهو يقول بصوت عال «شن فيه؟»، وما أن أتم الأب آخر حرف من جملته حتى باغتته زوجته قائلة بأن ابنته تحصلت على مكافأة مالية جيدة تقديراً لها على عملها الذي قامت به. نظر الأب إلى ابنته وهو غاضب وبدل أن يبارك لها قال: «أنتي من بكري تضحكي في السيارة، وما قلتيلي حتى حاجة!»، وتركها ودخل غرفته. بسرعة لحقته زوجته وقالت له: (خيرك ياراجل خلي البنت تفرح.. هي لمن قالت؟.. لأمها اللي حملتها وجابتها ورضعتها وسهرت عليها في مرضها).. فرد الأب: «هي طلعيني.. أني ما درت شي… حتى هي بنتي ليش تكلمك قبل ما تكلمني؟!». ردت الأم: «ياسر.. راك أنت كل شئ لينا.. ومن لينا غيرك في هالدنيا؟». ولكن هذه المرة لم يرد عليها، و ما هي إلا دقيقة حتى فتحت «ر.ع» الباب وهي تبكي وتقول: «سامحني يا بوي ما كنت نقصد شئ.. وهادي آخر مرة ما عاد نعاودها» وبطيبة الأب الليبي الحنون دمعت عيناه وقام من مكانه فارتمت ابنته وهي تبكي بصوت عال فحضنها وقبل رأسها وقال: «خلاص معاش تبكي»، وبكت الأم أيضاً وقالت له: «توا ارتحت.. بكيتها؟».. وبعد أن هدأ الجميع خرجوا إلى الصالة واحتفلوا بنجاح ابنتهم.

استمرت «ر.ع» في العمل بجد وزادت ثقة مديرها بها، ولم تدرك بأن الأيام ستحمل لها مع أحد عواصفها مصيبة لم تكن في الحسبان. وذات صباح وهي في المكتب الخاص بالموظفات دخلت فتاة، فقامت جميع الموظفات بالتسليم عليها، وقالت لها إحداهن: «طولتي الغيبة؟»، فردت عليها: «حتى هو عرس خوي، تعبنا هلبة والحمد لله تم على خير» وبين سؤال وتسليم حتى وقعت عيني «ح.م» على «ر.ع» فقالت: «شن في بنت جديدة؟»، فقلن لها: (إيه موظفة جديدة). اقتربت منها وتعرفت عليها وبعدها عادت إلى مجموعتها التي كانوا يطلقون عليها «شلة» وما أن ابتعدت «ح.م» حتى انتاب «ر.ع» بعض الارتباك والخوف منها.

زميلات «صاحبات ح.م» بدأن بنقل كل ما حدث في غيابها وخاصة فيما يتعلق بالموظفة الجديدة، فعرفت منهن بأنها تحمل شهادة جامعية وسوف تكمل دراستها لتحصل على الماجستير وأنها أيضا نالت إعجاب المدير والموظفين بأخلاقها ومحافظتها على الحضور في مواعيد الدوام الرسمي، وإنجازها لعملها في مدة قصيرة، فصار قلبها يدق بسرعة وكأنها في سباق ماراثون وتوجهت بنظرها إلى «ر.ع» وهي تحدث نفسها: (هاذا ما كان ناقصني.. جميلة وصغيرة وشهادة جامعية وكلهم معجبين بيها وأني ربي يتولاني ما عندي غير شهادة الإعدادية وما حد طايقني هني!» وزميلاتها يكلمنها وهي لازالت تنظر لتلك الزميلة التي لفتت أنظار الجميع، وازدادت غيظاً وغلا، وفجأة وقعت ورقة من يد «ر.ع» وانحنت لتأخذها، وما أن رفعت رأسها حتى وقع نظرها على تلك الموظفة فابتسمت لها وبالمثل ردت «ح.م» الابتسامة لها.

وبعد انتهاء دوام عملها عادت «ر.ع» إلى البيت وهي قلقة وأخبرت أمها بكل ما حدث اليوم فقالت لها: «ما ضايقي روحك يا بنتي.. خوذي نصيحة أمك.. حتى أني في بداية خدمتي شفت وتعاركت مع هلبة.. لكني صبرت لين فرجها ربي ووليت بمكانتي اللي توا.. أصبري وديري بالك من كل حد». أخذت «ر.ع» كل كلمة قالتها أمها باهتمام، وارتاحت من صراع النفس الذي عانت منه صباح اليوم الذي عادت فيه «ج.م» إلى العمل.

وفي اليوم التالي ذهبت «ر.ع» إلى عملها، وكالعادة قامت بإنجاز كل ما طلب منها بجد ونشاط، وبعد ضغط عمل جاءت ساعة الإفطار الصباحي وأخرجت «ر.ع» فطورها الذي أعدته لها أمها وكأنها طالبة في السنة الأولى ثانوي المتكون من (سندوتش بالبيض والهريسة العربية وعصير برتقال وتفاحة وبسكويت)، وبعد أن أنهت فطورها أتت إليها «ح.م» تقول لها: «صحة فطورك ليش تفطري بروحك؟.. مرة ثانية تعالي أفطري معانا»، فردت عليها: «سلمك.. وصحة فطورك حتى انتي وشكراً على المجاملة»، فقالت ح.م بانفعال: (لا والله ما نجامل فيك.. بس مش حلو حد يفطر بروحه)، فردت «ر.ع» بهدوء: (عادي ما تشغلي روحك بيا)، فرجعت «ح.م» وهي تقضم أظافرها إلي زميلاتها فقلن لها: (خيرك شن فيه؟)، فقصت عليهن ما حدث، فقلن لها: (هي هكي.. من أول ما خدمت بروحها وما تاكل من حد).. وبعد ما سمعت منهن كل شئ صمت لسانها عن الكلام ونطق شيطانها بوسوسته التي أججت نار الحقد في قلبها، فحاولت عدة مرات التقرب من «ر.ع» إلا أنها لم تفلح.. وذات مرة جاءت «ح.م» إلى عملها قبل الموظفين، أي قبل مجيئ «ر.ع» بلحظات، وعند وصولها ألقت عليها التحية فتظاهرات بأنها تبكي على شئ عزيز، وبسرعة هرعت «ر.ع» إليها قائلة: (خيرك.. ليش تبكي؟)، فأخبرتها على الفور بأنها تعاني من أزمة عائلية فصارت تسرد أفلاماً لا حصر لها وبأنها تكره والديها، وأنها تعرضت للضرب من والدها بسبب مشكلة فعلتها ابنة عمها فحزنت «ر.ع» عليها.

عادت «ر.ع» للبيت وقلبها حزين عليها، وما أن مر وقت قليل على عودتها حتى حدث ما لم تتوقعه. لأول مرة ترى والديها يتشاجران بهذه الطريقة فحاولت أن تهدأ والديها، وفجأة في حالة غضب شديدة لوالدها ضربها ضربة أوقعتها على الأرض، فبكت بصوت عال، وسارعت الأم لتحمي ابنتها من زوجها، وصرخت بصوت عال: «ليش ضربتها؟.. شن دارت هي أطلعي وخلينا» فترك الأب الصالة وخرج من البيت وبعد أن هدأت أعصابه رجع إلى بيته وفور دخوله جاء لابنته واعتذر منها على ضربه مبررا بأنه كان في حالة غضب ولم يدرك ما كان يفعله وأنها ابنته الوحيدة التي يحبها أكثر من أي شئ.

وكالعادة ذهبت «ر.ع» في اليوم التالي إلى عملها ووجدت زميلتها غارقة بدموعها، وسألتها «خيرك تبكي؟».. لم ترد في المرة الأولي ولكن عندما ألحت عليها بالسؤال قصت عليها حكاية من تأليف خيالها وقالت لها بأن لا تخبر أحد لأنها تعتبرها مثل أختها، وحكت لها بأنها تشاجرت مع حبيبها وأنه لم يعد يكلمها كالسابق، وأن بعض الزميلات يتدخلن في حياتها الشخصية فقالت لها «ر.ع»: هذه حياتك ولا يحق لأي أحد التدخل فيها ففرحت «ح.م» بردها وبدأت بإخبارها بأدق تفاصيل علاقتها..(تعرفي من أول ما تعرفت عليه حبيبته، وحتى هو يحبني، وبصراحة كان تصالحت معاه نبى نجيبه هنى للعمل ونشوفه ونهدرز معاه فقالت لها «ر.ع»: (هادي حياتك وأنتي حرة فيها).

وبعد مرور أيام قليلة تأكدت بأن الموظفة الجديدة لا تنقل الأخبار وتحفظ الأسرار، وذات مرة جاءتها و قالت لها: (تصالحت معاه وغدوة جايني)، فردت عليها: (علاش تكلمي فيا على حبيبك؟.. اني شن ليا علاقة؟.. هادي حياتك الخاصة)، فتداركت الموقف وقالت لها :(راك أنتي زي اوخيتي.. والبنات اللي هني ما عندي فيهم ثقة)، وفي صباح اليوم التالي دخل «م.غ» إلى مكتبهم قبل موعد وصول الموظفين، وعرفتها به على أنه ابن خالها، وجلست في مكان قريب من «ر.ع» تتحدث معه، إلا أن «ر.ع» لم يعجبها الأمر، فتركت المكتب وذهبت إلى المطبخ الخاص بالجهة التي تعمل فيها وطلبت فنجان قهوة.

وما أن أتمت فنجان قهوتها حتى جاءتها «ح.م» مسرعة وهي سعيدة وتقول لها «علاش طلعتي» فأجابتها فوراً: (كان راسي يوجع فيا وجيت للمطبخ ناخذ قهوة) فردت: (سلامتك). وعند الساعة الثانية عشر ظهراً جاءت إليها لتخبرها عن لقائها بحبيبها.. تعرفي شن قال لما مشيتي؟.. فردت «ر.ع»: (وأني شن دخلني في شن قالك؟!)، وتابعت كلامها (خيرها صاحبتك طلعت من المكتب؟.. شن متحشمة مني؟).. إلى أن وصلت لقول: (تعرفي لما طلعتي.. شدني من يدي وباسها، وقالي استاحشتك هلبة).. ومن فورها أوقفت «ر.ع» عملها وقالت لها: «أولا أني ماني صاحبتك.. حني زملاء وبس.. وثانياً معاش تحكيلي في حاجاتك الخاصة». فقالت لها: (نحكيلك لأني نعتبرك زي أوخيتي)، فردت عليها: (الحاجة الأولى.. أني مانيش أختك، والحاجة الثانية أمشي أحكي لصاحباتك عن موضوع حبيبك.. وثالث حاجة أني عندي عمل وما نيش فاضية)، وما كان من «ح.م» إلا أن قامت من مكانها وعادت إلى زميلاتها وهي مصدومة من ردة فعلها.

وبعد مرور أيام قليلة جاءت الزميلة الحقودة وفعلت نفس ما فعلته في المرة الأولى وعند دخول «ر.ع» لمكتبها رأتها تبكي فجاءت إليها لتسألها عن سبب بكائها فردت عليها وهي تشهق من شدة بكاءها: «أني كرهت عمري.. قرايتي في المعهد ما كملتها.. والكل يكرهني ويسبوا فيا وحياتي كلها ملخبطة»، فصارت «ر.ع» تهدأها بكلماتها الطيبة حتى هدأت وكفت عن البكاء وهي تشكرها على موقفها معها وطيبة قلبها.

وما أن وصلت عقارب الساعة للعاشرة والنصف صباحاً حتى نادى مديرها عليها بصوت عال وأنبها على عمل به أخطاء كثيرة قامت بإنجازه احدى زميلاتها وأطلقت(ح،م) حاسة سمعها لسماع كل كلمة يقولها المدير للموظفة الجديدة وعند كل إهانة يوجهها المدير إلى(ر،ع) تضحك(ح،م) من قلبها كأن من صب عليها ماءً بارداً.

وبعد وقت قصير عادت إلى مكتبها وهي تبكي، فجاءتها من فورها لتعرف ماذا قال لها المدير وتقول لها: (هو ديمة هكي.. يسب في الموظفات.. واللي ماتجي على مزاجه مايخلي ما يدير فيها من خصومات وإهانات وقلة قيمة ). ولم تكتمل فرحتها حتى جاء سكرتير المدير ليقول لها المدير يريدك أن تذهبي إلى مكتبه، فقامت «ر.ع» من مكانها بسرعة متوجهة إلى مكتب المدير العام، وعند دخولها لمكتبه وقف واتجه نحوها ليقدم اعتذاره عن كل ما قاله في حقها، وصرف لها مكافأة تشجيعية على عملها الذي أطلع عليه فيما بعد .

وبعد خروج (ر،ع) من مكتب المدير، شعرت براحة نفسية لم تعجب زميلتها، فأسرعت إليها وقالت: (شن صار معاك؟)، وردت «ر.ع»: (ماصار شي)، وعادت لتكمل عملها وتعود الأخرى والنار تأكل قلبها . وصارت تلك الزميلة كلما تراها تشكي لها، وما أن تكمل شكواها حتى تفرح ويتبدل حالها ويضيق الحال على (ر.ع). وذات مرة شكت لها بأنها تعاني من وخز في ثديها الأيسر فحزنت عليها (ر،ع) وقالت لها: (امشي عايني.. تطمني على روحك) فقالت لها بحزن: (إن شاء الله لما نروح نمشي نعاين في العيادة)، وكالعادة تركتها وذهبت لزميلاتها تتبادل معهن أطراف الحديث وتسبقن في النكت وهي تضحك.

وما أن رجعت (ر،ع) لبيتها حتى شعرت بوخز في ثديها الأيسر وأخذت توسوس بأن معها ذاك المرض الخبيث(مرض السرطان) وعانت من ذاك الوجع أياماً وليالي وأصبحت من شدة الوجع تعاني من قلة النوم وذهبت بعد صراع كبير مع نفسها إلى العمل، ودخلت إلى مديرها وطلبت منه إجازة لأنها مريضة ولاتستطيع القيام بأي عمل، فوافق على طلبها وغادرت من فورها لتعود إلى بيتها وهي تتألم وتمسك بيدها على مكان الوجع.

عادت «ر.ع»إلى البيت ودخلت غرفتها وأغلقت بابها وهي تبكي، فسمعت أمها صوت بكاءها، ومن دون وعي دخلت وقالت لها: (شن قلتلك؟.. هي أمشي معاي للدكتورة تكشف عليك)، فردت عليها: (ماما.. خائفة يطلع معاي السرطان)، وبدورها ردت الأم بعصبية، (هيا نمشوا.. خلاص معاش تفكري هكي). وذهبت الأم صحبة إبنتها إلى دكتورة نسائية متخصصة في أمراض الثدي، فقامت الدكتورة بالكشف عليها، وبعد ظهور النتيجة قالت لها: أنت بصحة جيدة ولاتعانين من أي شئ. وعادت مع أمها وهي قلقة مما حصل معها .

وفي اليوم التالي جاءت زميلتها صحبة موظفات العمل لتطمئن عليها واستقبلت أمها زميلاتها وأدخلتهن لغرفة الضيوف فصرن يتكلمن مع بعضهن: (شفتي أمها كيف تهبل.. وحوشهم مرتب ومنظم وأثاتهم غالي؟!!)

دخلت الأم على ابنتها لتقول لها: (إذا سألوك عن مرضك قولي.. بردة)، وخرجت لاستقبالهن. وبعد وقت جاءت أمها بالقهوة، وجلست تتحدث معهن، ولحسن حظ بنتها تحدثت (ح،م) بزلة لسان عن وجع ثديها الأيسر وتشتكي فقر أهلها وظلم الناس. وبعد سماع أمها لها قالت لها: (كلنا نعانوا مافي حد خالي وأرضي بقسمة ربك)، فردت عليها: (ونعم بالله.. بس أني ماقلت شئ). خرجت الأم لتعود مرة أخرى وتقول لهن: (صحيتوا يابنات على زيارتكم وإن شاء الله نردوها في فرحكم.. أحني معزومين وبعد شوية طالعين). وبسرعة خرجن واحدة تلو الأخرى وهن يرددن:(الحمد لله على سلامتك وهي ترد (بارك الله فيكم).

بعد خروجهن جلست الأم تنظر لابنتها وقالت: (البنت اللي تكلمت على وجع ثديها هي اللي كنتي تهدرز معاها؟ ). ردت عليها: (ماما.. كيف عرفتي؟). فقالت أمها: (باهي.. الوجع اللي تعاني منه جاك قبل ماتكلمك أوبعد ماكلماتك؟).. وبدون تفكير قالت: (بعد ماكلمتني). تنهدت الأم تنهيدة طويلة وردت على ابنتها بصوت مرتفع: (شن أنتي ماعندك عقل يخدم؟.. هادي حالها زي العزوز الشكاية اللي تشكيه ليك يجيك)، فضربت(ر،ع) وجهها وقالت: (ياماما.. هي مرة قالت بوي ضربني وعيلتي يكرهوني). فصمتت الأم قليلاً وزاد تنهيدها وقالت لابنتها: (توا شن بنقولك؟.. ياما كلمتك ووعيتك وإنتي دماغك سطل مايفهم وقلبك لين مولي نية اللي يجي يضحك عليك بدموعه). صمتت(ر،ع) وهي تفكر في كل ماحدث مع الموظفة وكيف انقلب حالها حتى وصلت بتفكيرها إلى قولها بأن كل من حولها يكرهها فتذكرت إهانة مديرها لها بصوت عال فغضبت: (أني الحمارة اللي فوتي عليا كذبتك يابنت ..).

لم تنم (ر،ع) تلك الليلة وهي تنتظر بفارغ الصبر ظهور أول خيط من خيوط الشمس، وصارت تتقلب على سريرها مرة بغفوة وأخرى بتفكير حتى غشيها النعاس ونامت نوماً عميقاً.

وفي الصباح دخلت أمها لغرفتها لتوقظها من نومها وهي تقول: (نوضي يابنتي وقت عليك)، فنهضت بسرعة وحضرت نفسها وخرجت من بيتها بدون فطور وقالت لأمها بأنها سوف تفطر في عملها .

وصلت إلى عملها، وباشرت القيام بعملها المتراكم وبعد عشرة دقائق بدأ الموظفون والموظفات بالتوافد إلى مقر العمل وهي تنتظر على أحر من الجمر إلا أن غريمتها التحقت بزميلاتها متأخرة وعند وصول (ح،م) رأت (ر،ع) تعمل في مكتبها فتغيرت ملامح وجهها والغل يحرق قلبها وعلى الفور جاءت إليها وهي تقول: (الحمد لله على السلامة.. نورت المكان). رفعت (ر،ع) رأسها وقالت: (شكراً). وردت عليها: (بعد شوية نجيك). ردت عليها «ر.ع»: (خليك مرتاحة اليوم عندي عمل هلبة).

وفي اليوم التالي ذهبت(ح،م) إلى العمل مبكرة فوجدت (ر،ع) قبلها، اقتربت منها وألقت عليها تحية الصباح. بدورها أيضاً ردت بتحية أخرى وطلبت منها أن تجلس معها لتحدثها عن مشكلة حصلت معها فقالت لها (لا) خافت وقالت: (خيرك شن فيه؟) ردت عليها: (لدي عمل وإذا أردت أن تتحدثي إذهبي إلى صديقاتك وأخبريهن بكل ماتمرين به من مشاكل). كانت لهجتها مخيفة لدرجة إنها جعلت(ح،م) تعود أدراجها دون أن تنطق بكلمة. إلا أن شر نفسها لم يمل وجعلها تكرر المحاولة في اليوم التالي … وهنا حدث ما لم تكن تتوقعه. بعد التحية الصباحية جلست(ح،م) تبكي بشدة إلا أن (ر،ع) لم تحرك ساكناً وكانت تقوم بإنجاز عملها الموكل لها من قبل الإدارة. وبعد أن تعبت من البكاء جاءتها قائلة: (انتي مافي قلبك رحمة.. من الصبح وأني نبكي وإنتي ماكلفتي نفسك حتى تسأليني شن فيه). وفي تلك اللحظة بدأ الموظفون بالدخول وبدون تفكير ردت عليها بصوت جهور غاضب: (هيا قولي شن تبيني نديرلك يعني … مرة بوك ضربك، ومرة الناس تكرهك، ومرة المدير يسب فيك، ومرة كرهتي حياتك، أني ماني ناقصة.. اللي فيا مكفيني ومعاش تكلميني ) ..  تغيرت ملامح (ح،م) وهي تتمتم: (غبارة سودة فضحتيني)، وابتعدت عنها بسرعة لكي لاينتبه أحد لما تقوله «ر.ع». وبعد هذه المواجهة عادت حياة(ر،ع) لعملها ونشاطها ولم تعد تشكو من أي شئ.

رأي دكتورة علم نفس امتنعت عن ذكر اسمها.

تعتبر الحالة التي ذكرتها في علم النفس حالة مرضية وتحتاج لعلاج، ومن المؤكد إنها قد عانت في طفولتها من صدمة نفسية جعلتها تتصرف مع من حولها أومع من هي أفضل منها بهذه الطريقة… تستعطف الناس بمشاكل تنسجها في خيالها، وتكررها مرات عديدة، بحيث أنها عندما تتحدث مع أي شخص على مشكلتها تقنعه بتقمصها هذه الشخصية لتكسب وده ومساعدته لها في أي وقت تشاء.. ولايمكن أن ننسى بأن هذا النوع من الأشخاص يسمون في علم الطاقة بسارقي الطاقة. على سبيل المثال يذهب شخص ما إلى العمل وهو سعيد وبكامل قوته ونشاطه وبمجرد أن ينتهي الحديث مع ذاك الشخص كثير الشكوى يصبح بمزاج سئ ويصيب جسده الوهن أو تحدث معه بعض المشاكل التي سمعها من الشخص المتذمر، ولذا أنصح الجميع بأن يبتعدوا عن هؤلاء الأشخاص بقدر الإمكان لكي يعيشوا براحة في  حياتهم العملية والاجتماعية.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …