نافذة
بقلم /محمد الهادي الجزيري
من أثمن التحف في مكتبتي… أسحب هديّة من عمان الكريمة وهي متن بديع قدّمه لي مؤلّفه عربون محبّة وصداقة أثناء المرّة الثانية التي أعانق فيها السلطنة التي صحّحت خلفيتي ونظرتي إلى الخليج العربي ..
.المهمّ أنّني سأحتفي بكتاب للصديق الدكتور محمد المهري ، اسمه :
« حكايات شعبية ظفارية»
وأدعوكم للتوغّل في طيّاته وكشف مكنونه والاعتبار من حكاياته وخرافاته …
يبدأ السرد بقصّة عنوانها « الحورية » وتتلخص في ثلاث بنات من الجنّ اكتشف مكانهنّ شاب ونجح في إمساك رداء إحداهنّ وأوصى بها أمّه .
.ولكن الجيران فرضوا على الأمّ أن ترقص تلك الحورية وأذعنت للأمر ..وكان يا ما كان أن عاد الشاب من السفر وعلم بطيران من يحبّ ..ويبدأ رحلة البحث عنها .
وبعد مصاعب عدّة يتحصّل عليها ويأخذها إلى المنزل لينجب البنات والأولاد ..وتنتهي الحكاية الأولى لتنطلق الحكاية ثانية وهكذا دواليك ..ويستمرّ القصّ …
لا يخفى على أحد ما يستوجبه التعامل مع التراث والحكاية الشعبية من الكثير من المصاعب والمشاق، إذ إنه يعتمد على فهم الحكاية من أفواه كبار السنّ ثمّ تأتي عملية الترجمة وهي نقل الحكاية من اللهجات المحلية إلى العربية وهذه مسألة عسيرة خاصة إذا وصل الأمر بالمترجم إلى تحريف جوهر الحكاية.
وهذا ما نبّه إليه المؤلف في « منهج الكتاب » وسعى جاهدا في كلّ القصص المدرجة داخل الكتاب إلى احترام روح الرواة وعدم الخروج عن النصّ كما ورد على ألسنة الرواة….
قصص عديدة شدّتني في هذا المتن الشيّق وهذا الجهد الكبير، من ذلك أذكر قصة «ماء الورد» فقد ركّزت على نيّة المبادرة والحبّ الذي يجمعنا في الحياة، تقول القصة القصيرة التي لا تتجاوز الصفحة ونصف الصفحة..
إنّ شيخا مرض مرضا شديدا وعلم بأنّ دواء هذه المحنة يكمن في ماء الورد، فطلب من ابنه الذهاب بحثا عنه وحين توغّل الابن في الغابة عثر على امرأة عجوز تبحث عن العسل الذي أمرها بجلبه ابنها حتّى لا يتركها، وبعد ذلك وجدا شيخا جليلا رحّب بهما وقدّم لهما ماء الورد والعسل .
والمسألة تتعلّق برغبة كلّ منّا في فعل أيّ شيء، فالابن وجد والده قد شفي من مرضه وقد مرّ به الشيخ..، والمرأة العجوز وجدت ابنها ندم على ما فعل وتاب إلى الله وأصبح بارّا بأمّه ..، فالنيّة تقوم مقام الفعل وهذا كنه هذه القصة…
نجح المؤلّف في نقل الحكايات الشعبية رغم بساطتها وسذاجتها، ففي قصة هي الدنيا إذا أقبلت نقل المفهوم العام للخير والشر بحذافيره ، فالسلطان الغاضب على نكران رعيّته دعا عليها بالويل والفناء فاستجاب له الله في لحظة.
ثمّ انتقل ذلك السلطان إلى مملكة أخرى وعمل كجنديّ بسيط إلى أن اقترب من حاكم البلد فخيّره بين العودة إلى وطنه أو الزواج من إحدى بناته ..وهكذا تنتهي القصة ..
ما أريد قوله هو نجاح نقل روح الحكاية دون تنغيص ولا تفاصيل إضافية ..الحبّ والله والإنسان هم أبطال هذه القصص الشيقة.
ولا يفوتنا في خاتمة إطلالتنا الإشارة إلى كلمة الناشر التي جاء فيها:
« حكايات من التراث العربي القديم، بيئتها ظفار، جمعها الكاتب العماني د. محمد بن مسلم بن دبلان المهري من أفواه المسنين كما تداولتها الأيّام، وأطلقها كي يحلّق بها القارئ ويجنح إلى مراتب المستحيل.
مع الجان والسحرة، مع الذكاء والدهاء.
مع الشرّ والفضيلة، حيث تصطرع التناقضات وتقوم المعارك بين الخير والشرّ، ويكون انتصار الأخلاق والشجاعة في نفس القارئ على الأقلّ…