كتب:حسام الوحيشي
وفق حسابات غير دقيقة من النوع الشهير “كما اتفق” دار في خلدي بسرعة وبلا تدقيق كافي النص الٱتي ، كان فهمي هويدي في ربوع الأربعينيات من عمره عندما أصدر كتابه “القرآن والسلطان” جامعا فيه كل ما كتبه في مجلة “العربي” الكويتية من 1977 حتى 1980، وطلت الطبعة الأولى في 1981 عندما تجاوز الكاتب ربع قرن في مجال الصحافة والنشر، بحسابات غير دقيقة أيضا، أعبر اللحظة أدغال الربع قرن من الحروف أو تجاوزتها بهدوء.
أعيد السطور القادمة : مارقة قليلا، قليلا جدا، فأنا لست جيدا في الرياضيات. الأمر معلن، مدرساتي يعرفن هذا، ولأي استفسار بالخصوص يمكنكم الرجوع إلى الأستاذة أنيسة التائب، إنها المادة الوحيدة التي كان ينقصني على معدلها النهائي درجتان دائما، تاريخ يحرمك من الشعور بالاطراء. تقول “درجتان يا ظالم” بصوتها الحاد و تلوي عمتي وجهها و تمضي لتلميع سقف البيت للمرة العاشرة. أجهر في ذهني طبعا: ولكنك لا تعرفين ما يحتويه الكتاب السماوي، لم أفهم كل شيء، غدا سأفك شفرة طلاسم أخرى.
في وقت لاحق أسأل ببراءة: أيتها العمة هل تعرفين معنى “يزع”؟ تجيب بعجالة “عندي ما أندير” و تهرب من جواري، أرسم ابتسامة نصر و أفكر سأجعلها تلمع سقف الشارع هذه المرة.
لم يسقط رأسي عندما نشر فهمي هويدي “القرآن والسلطان، بطبعته الأولى، بضع أيام من العمر أو شهورا قليلة، الأكيد أنني لم ألج ربيع سنتي الثانية. في مراحل التعليم التمهيدي سرقت من “عامر عبيد” كتابا سماوي اللون عنوانه مخطوط باللون الأخضر، بحروف طولية مائلة، طالعته مطولا حتى أرهقت جسده و تفككت ملازمة، انتبهت بعدها إلى شارة صغيرة أسفله “منشورات الدار الجماهيرية”، استحال الصمغ في حوافه إلى درجة من البني المحروق و تصلب .
تقلب صفحاته فينكسر حرفيا، لم تسقط الذكرى و أنا في ربوع أربعيناته القديمة، “القرآن والسلطان” كان أحد روافد الثورة عندي، في الطابق الثاني داخل حقيبة ثقيلة من المطبوعات بمنزل جدي تحت سرير حديدي صديء ستجده ينتظرك لتقلب الماضي الذي غبر و صمدت الحروف، لمسة النايلون على الغلاف منعته من الاهتراء.
بحثت عنه و لم أعثر على جملة، اختفت كتابات فهمي هويدي الجديدة لخمسة سنوات، حتى عاد إلى الشاشة، لم يعد إلى الورق، ساكتفي بالجزيرة لتنشق أفكار ذهنه الثمانيني الجميل.