منصة الصباح

حرق المراحل تقنياً

زايد .. ناقص

جمعة بوكليب

 

سياسة حرق المراحل، مصطلح ظهر في أدبيات الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917. وعلى “عكس سياسة المراحل، أي مسايرة الظروف والواقع وانجاز مهمة بعد أخرى، ترتكز سياسة حرق المراحل على التوصل إلى تحقيق الهدف المراد دفعة واحدة.”

واستناداً إلى الاستاذ أحمد برقاوي، أنه لكي تتحقق الاشتراكية  لابد من وصول الراسمالية في المجتمع إلى أعلى مراحلها.  وهذا يعني أنه كان على روسيا، بعد نجاح الثورة، الانتظار عشرات السنين، لتحقيق ذلك الشرط، بالوصول إلى المرحلة المطلوبة، لأن المجتمع الروسي، وقتذاك، كان يعيش واقعاً اقتصادياً واجتماعياً  أقرب ما يكون للعصر الاقطاعي. ولتفادي  المشكلة،  ابتدع قائد الثورة لينين مصطلح حرق المراحل، مؤكداً أنه بامكان روسيا الوصول إلى المرحلة الاشتراكية، من دون المرور بمرحلة العلاقات الراسمالية، لأن الدولة الاشتراكية سوف تقوم بانجاز الأساس المادي المفترض انجازه من قبل الراسمالية، ومن دون تعريض المجتمع لوجع الدماغ.

وما حدث تاريخياً، هو أن لينين لم يعش طويلاً، وترك مهمة انجاز تحقيق الاشتراكية إلى رفيقه جوزيف ستالين، والذي بدوره لكي يتمكن من حرق المراحل سريعاً، اضطر أن يحوّل الشعب الروسي إلى وقود لاشعال النار. ووضعَ الراسمالية والاشتراكية والحرية في قِدر واحد، فوق تلك النار، في خلطة واحدة عجيبة!

ليبيا، أيضاً، عرفت سياسة حرق المراحل. ذلك أن العقيد القذافي كان حريصاً على الوصول بالمجتمع الليبي إلى عصر الجماهير لكي يمتلك السلطة والسلاح والثروة. المشكلة أن المجتمع الليبي كان متخلفاً حضارياً. ولتفادي الانتظار لأعوام طويلة، قرر العقيد القذافي حرق المراحل للوصول بسرعة إلى المجتمع الأرضي السعيد. وقرر أن يمتلك هو شخصيا السلطة والثروة والسلاح بمساعدة لجانه الفاشية. والنتيجة النهائية لم تعدّ خافية.

خلال دراستي الجامعية بريدنج، بدلاً من سياسة حرق المراحل، وجدتني، دون علمي، أنفذ سياسة القفز بالمراحل. إذ قبل أن يدخل أول جهاز حاسوب  بيتي، سَبَقتُهُ، إلى ذلك، آلتا طباعة: واحدة يدوية، وأخرى كهربائية. وعلى عكس التوقعات، تعلمت الطباعة على جهاز الحاسوب، وليس الآلتين. وأعترف أنني، قبل ذلك العام، لم أكن أعرف الحواسيب. بل وكنتُ أظنها تخصُّ أناساً من المختصّين في التقنية. لكني في الجامعة وجدتني مضطراً لاستخدامها.  ولم أكن لوحدي في ذلك. ولتفادي المشكلة، وتسهيل الأمر على الطلاب، قام قسم الحواسيب بالجامعة بفتح دورات مجانية للطلبة غير المنتسبين للقسم، فالتحقت باحداها. ومن خلالها عرفت كيف يمكنني التواصل مع العالم الالكتروني. من مزايا تلك الدورة أنني تحصلت على بطاقة تتيح الدخول، في أوقات معينة، إلى قسم الحواسيب بغرض التدريب. وفي تلك الفترة وجدتني مضطراً إلى تعلم الطباعة على أصولها. وتكفل الحاسوب والانترنت بتسهيل الأمر. وعبر برنامج تعلم الطباعة، في الانترنت، تمكنت من تعلم القواعد الصحيحة. لكني كنتُ في حاجة إلى مزيد من التدريب لأصل مرحلة الاجادة. ونظراً لعدم قدرتي مالياً على اقتناء حاسوب، التجأت إلى فكرة شراء آلة طباعة قديمة لمواصلة التدريب في البيت. الفكرة نجحت، وعبر آلة طباعة يدوية مستعملة، واصلت التدريب منزلياً في أوقات فراغي حتى وصلت مرحلة تقترب كثيراً من حدود الاجادة. آلة الطباعة اليدوية تلك، تركت مكانها، بعد فترة قصيرة، لأخرى، أكثر تطوراً، كهربائية . الآلة الكهربائية الجديدة كانت مستعملة ايضاً.

في عام دراسي واحد، تمكنت من قطع عدة مراحل قفزاً، ولكن بالمقلوب. إذ دخلت عصر الالكترون، وتعاملت من جهاز الحاسوب أولاً، قبل عصري الكهرباء والآلة اليدوية. وهو حدث عجيب، ويستحق أن يكون موضوع دراسة من قبل المختصين!!!

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …