منصة الصباح

حذار من استضافة الكاتب

ترجمة : عبدالسلام الغرياني

هل من الصواب دعوة شخص الى منزلك مهنته مراقبة كل شيء؟ أن يكون هذا الشخص كاتبا فأنت مخطئ بالتأكيد، حتى المضيف الأكثر وقارا سيدخل في سجال مع الكاتب خلال الزيارة،  ليس من المستغرب حقًا أن يحدد لنا الكُتّاب في كتاباتهم اقوالا حكيمة حول الطول المناسب للزيارة.

لقد كانت زيارة مبهجة ، مثالية في كونها قصيرة جدًا (جين أوستن)

السمك و الزوار تفوح منهم رائحة نتنة بعد اليوم الثالث (بنيامين فرانكلين)

الانسان السامي لا يطيل الزيارة (ماريان مور)

ان كنت تشك في جدية الامر نحيطك علما بالأتي : عندما بقي هانز كريستيان أندرسن مع تشارلز ديكنز لمدة ثلاثة أسابيع مخالفةً  للزمن الذي اتفقا عليه، لم تتعافَ صداقتهما.

ومع ذلك، كان للزيارات الطويلة دورًا مهما في بعض جوانب الحياة الأدبية، الكتّاب الذين – عن قصد أم لا – استفادوا من كونهم مرحب بهم كضيوف.

كان منزل صمويل جونسون في لندن يعج بالأشخاص الذين يعتمدون عليه بطريقة أو بأخرى. عندما يحتاج فترة راحة ، يحلّ ضيفا على الكاتبة (ثريل) خارج لندن. لقد كان زائرا مألوفا لديها حتى أنه يُحظى بحجرة خاصة عندها، وكان يُعامل كفرد من أفراد الاسرة،ماذا يحب وماذا يكره، وباقي امراضه معروفة للأسرة – الكآبة و الأرق – مفهومة أيضا. هذه الرحلات الى الريف وفّرت له العزاء النفسي، في هذا الريف من منطقة (ستريثم) يُنجز كتاباته بأريحية كاملة، برعاية دقيقة من (هيستر ثريل)، انها تجعل البيت في حالة هدوء تام من أجله، و تقدم عشاء ممتعا مصحوبا بالنقاش الرصين. كان يكتب حينما يستطيع، أو ينتظر حتى تنقشع حالة الكآبة التي يعانيها. لمؤلف مثله، كان هذا الترتيب مثالي.

هنري جيمس ، أيضًا ، حين كان كاتبًا مغتربًا في أوروبا يعيش حياة متواضعة من كتاباته ، تمكن من الوصول إلى مجموعة من الأوساط الاجتماعية من خلال ضيافتهم له في بيوتهم. اعترف ذات مرة أن أفضل أفكار قصصه جاءت من ثرثرة على  مائدة العشاء. يستمع بحرص ورصانة بما يكفي لتبلور فكرة في ذهنه، كي يكتب عنها و يطورها بخياله، سواء وجد مضيفوه أن وجوده مفيدا أم لا فهو المستفيد الوحيد.

تطورت رؤية الكاتب صامويل تيلور كولريدج الأدبية كونه يحل ضيفا على ألآخرين، ذات مرة حل ضيفا على اسرة الشاعر ووردزورث لعدة أسابيع، في كثير من الأحيان يعمل أو يتحدث مع مضيفيه خلال الليل. كانت هذه العفوية في الضيافة مثمرة له ولهم، لكن في وقت لاحق أسرّ ووردزورث لصديق مشترك واصفا كولريدج بأنه :» مصدر ازعاج مطلق الذي يُخرج نتانة امعاءه بإدمانه». عندما لا يتناول كفايته من اللودينوم [مستحضر افيوني]، كان كولريدج يشرب نبيذ (الجن)، وغالبا ما يستيقظ صارخا في الليل مثيرا فزع اسرة  ووردزورث.

تحتوي النسخة الأصلية لعام 1922 من دليل إميلي بوست للأخلاق،  على عدة صفحات من التعليمات للمضيفين ، بما في ذلك أن المضيف الجيد يجب أن يقضي 24 ساعة في غرفة الضيوف بشكل دوري لفهم مواطن القوة والضعف بشكل أفضل. عن كونك ضيفا تكتب: «الضيف المثالي لا يرتدي الملابس المناسبة وحسب بل عليه أن يكون متزناً في سلوكه بالقدر نفسه».

لقد ارتفعت نسبة استخدام كلمة «ضيف» بعد الحرب العالمية الثانية ، وبلغت الذروة في الالفية،  ويبدو أن هذه الكلمة آخذت في الانخفاض في وقتنا الحاضر. لكن بالنظر إلى ما يمكن أن ينشأ من العلاقة الحميمة للمساحة المشتركة: كانت ماري ولستونكرافت جودوين وزوجها المستقبلي ، بيرسي شيللي ، ضيوفا على اللورد بايرون في فيلا على بحيرة جنيف في شهر يونيو من عام 1816 ، عندما بدأت قصتها الشهيرة عن الأشباح. ثم أنهت «فرانكنشتاين» مرة أخرى في إنجلترا في العام التالي في منزل مليء بالضيوف (بقي عدد منهم لمدة شهرين ونصف!) ، مع ستة أطفال وزوج لم يفعل الكثير للمساعدة.

علاقة الضيف/ المضيف تعمل على تعزيز الإبداع في هذا العصر ، على الرغم من قلة ما كُتب عن ذلك. أحدى القصائد القليلة حول الموضوع نجده في كتيب: «للأصدقاء فقط» لدبليو دبليو أودين ، وهي قصيدة لفوائد وجود غرفة ضيوف. هناك بعض كبار مضيفي الحفلات في الأدب – فازيويغ ، والسيدة دالوي ، و جي غاتسبي – لكن قلة منهم يجب أن يأخذوا في الاعتبار رعاية وتغذية الزوار لليلة أو أكثر. تتبادر إلى الذهن السيدة ويلكوكس من مسلسل «Howards End» ، لكنها تمضي معظم وقتها في الحديقة ثم تموت. ربما ينجم التراجع العام حول هذا الموضوع عن الشك في أن تحجب مشاعر المرء الحقيقية حول صعوبة الاستضافة والزيارة هو المخاطرة بدعوات أقل – الشيء نفسه الذي يعتمد عليه العديد من الكتاب،  من ناحية فحصهم للغرفة و ضمان المأكل والإعجاب العاطفي ، ناهيك عن لوازم الحياة من غسل الملابس و غيرها.

ثمة رواية عن امرأة تقرر زيارة كل صديقاتها ، واحدة تلو الأخرى ، كطريقة لمعرفة كيفية العيش. إذا كان القول المأثور ، أن الأصدقاء هم الأسرة التي نختارها ، فهي تشعر بالقلق من أنها لم تعمل بجد كافٍ للعثور على هذه الاسرة. قررت الظهور – يجب أن تذهب وتراهم شخصيًا – لمواجهة القوى البعيدة لوسائل الإعلام الاجتماعية ، والرموز التعبيرية و ساعة المواجهة. تسافر إلى صديقاتها لرؤيتهم في واقع حياتهم ، وهذا ليس بالأمر السهل ، لكنها تحقق أفضل ما في الأمر.

غالبًا ما تمتلئ لغة الزيارة الحديثة بالعبء. نحث ضيوفنا بطريقة أو بأخرى وغالبا بالإيحاء، (لا نريد مشاكل). نقول ، (لا أريد أن أحبطك). لقد فقدنا بالفعل كتابة الرسائل ، ونقلق أحيانًا أننا نفقد فن الزيارة أيضًا. نود محاولة العيش بالقرب من رواية هيلين غارنر «الغرفة الاحتياطية» ، وهي رواية مدروسة حول تعقيدات علاقة الضيف / المضيف الحديثة: «إنه لشرف لي أن أعد المكان الذي ينام فيه شخص آخر.» اعتقد اليونانيون ذلك و التي تمتلئ ملاحمهم القديمة برحلات وزيارات ، حيث كل شخص سواء الضيف أو المضيف منكمش على نفسه طوال الليل فوق سرير ناعم. ليس لدينا الآن سوى مقعد طويل بمسند يمكن تحويله إلى سرير ، لكننا نعمل على جعله مريحا.

عن صحيفة the new york times

شاهد أيضاً

الخارجية تأسف على فشل مجلس الأمن في قبول عضوية فلسطين بالأمم المتحدة

أعربت وزارة الخارجية عن اسفها من فشل مجلس الأمن الدولي في الموافقة على مشروع قرار …