بقلم .. صبري لنعال
تعد السينما أو الخيالة في عصرنا الحديث وبما تملكه من إمكاناتٍ تقنية وأساليب تأثيرية هائلة وبما توفّره للمشاهد مزيداً من الإبهار والإثارة ، فأصبحت قوة فعّالة لها تأثيرها العميق على الجماهير العريضة والتي تشكل أكثر من ( 70٪) بالمائة من سكان هذا العالم ، فهي تُعدّ بذلك سلاحاً خطيراً ومهماً ، له أهميته البالغة حيث يقع تحت تأثيرها هذا العدد الضخم من الجماهير .
تعد السينما من أحب الوسائل الثقافية والإعلامية لجميع الطبقات وأقربها تسرباً إلى وجدانهم وأقواها رسوخاً ، فقد يقال بأن السينما أو الخيالة ماهي إلا ترفيه وتسلية بما يعني سقوط الحديث عنها كقوة تربوية ، إلاّ أن هذه الفكرة ينبغي أن ينظر إليها بوضعها أكبر الخدع ، بمعنى أن مفهوم الترفيه من تقديري هو مفهوم شديد الخطورة ، إذ يتمثل الفكرة الأساسية للترفيه من أنه يتصل من بعيد أو قريب بالقضايا الجادة وإنما هو شغل أو ملء ساعة من الفراغ .
ومما يزيد من التأثير التربوي للسينما إنها تقدم لنا أفكار الناس كما تفعل الرواية المكتوبة مثلاً ، بل تُقدّم لنا سلوكه وتقترح علينا مباشرة ذاك الإسلوب الخاص للحضور فالعالم ومعالجة الأشياء مع الآخرين .
إذن فالسينما لها هدف ولها ماهية تسعى إلى إثبات وجودها وإسهامها في إرساء الثقافة وبث القيم الاجتماعية ، بجانب المتعة التي يتحصّل عليها المتلقّي بعد مشاهدته للشريط السينمائي ، فهي ليست ترفاً هدفها الإضحاك والتسلية .
ولكن هناك عدة تساؤلات عن علاقة السينما بالواقع ، فهل هي نقل للواقع ؟ أم أنّ السينما هي تصوير واقع ؟ ..
من هذا السياق يوضح لنا المخرج السينمائي العالمي ( أندريه بازان ) بأنه « من السهل علينا أن نجزم بواقعية السينما بناء على طبيعتها ( الفوتوغرافية ) ليس لأن وجود الخيال والغرابة من السينما شأنه أن ينفي واقعية الصورة ، بل أنه أقوى الأدلة العكسية إثباتاً لهذا الوجود ، فالوهم في السينما يقوم على واقعية ما يقدم له وهي واقعية ( تقبل التقادم والسقوط ) .
نخلص من هذا أن ما نراه وتعرضه الشاشة ، هو في الحقيقة لا واقع ، بل هو انعكاس للواقع ، لأن المشاهد هو الذي يحيل هذا الرمز إلى واقع ، وهو نوع من الانطباع عن الواقع ، أو هو واقع جزئي ، فالمشاهد يرى في الصورة المعروضة أحياء ، فهو يرى الجماد مجسماً وبأحجام صحيحة أو قريبة من الصحة إلى حد بعيد مستغلاً في ذاك خبراته الموسوعية السابقة في الحياة ، فكل ما تعطيه الشاشة ماهو إلا عبارة عن رموز يقوم المشاهد بتفسيرها ، وفي هذه الحالة يصح أن نقول بأن السينما ليس إعادة إنتاج شيء هو موجود أصلاً ، ولكنها إنتاج شيء جديد من خلق الشاشة والجمهور معاً .
وإلى لقاء جديد
صبري النعال