بقلم / صبري النعال
لقد شهد فن السينما في الواقع العديد من التطورات والتحولات خلال مسيرته التي تتجاوز اليوم، مايزيد على قرن من الزمان، وإذا ما رأينا الأفلام الأولى لهذا الاختراع الإنساني والتي تبدو في مجملها عبارة عن صورة قلقة، حيث لم تكن الحركة تبدو للمشاهد بصورة إنسيابية، كما نراها اليوم، ولكن ومع مرور الوقت أصبحنا نشاهد صورة تتطابق فيها الحركة في المكان والزمان والتزامن إلى درجة شديدة المطابقة مع الواقع من حيث الإنسيابية وتعتبر السينما ظاهرة اجتماعية من خلق الإنسان وأصبحت جزءاً لايتجزأ من البناء الإنساني للعصر والعالم، ولكل مجتمع قومي على حدة في نفس الوقت .
ورغم إن هذا الامتزاج الشديد بين الظواهر داخل البناء الإنساني العالمي والقومي، فإن الرجل العادي في حياتنا المعاصرة يستطيع أن يميز بسهولة ودقة بين السينما وبين غيرها من الظواهر الإنسانية الأخرى، فإذا ماحدث وإن جلس هذا الإنسان في أية بقعة من القارات الخمس، أمام شاشة بيضاء تعرض صوراً متحركة فهذا الإنسان سيكون على يقين بأن مايشاهده أمامه بالعين والأذن والوجدان والعقل (فن سينمائي) والمقام الأول والأخير وإن عالج قضايا ليس لها علاقة بالدراما السينمائية فماذا يعني هذا..؟ يعني هذا بالتحديد، أمرين أولهما هو، أن هناك قدراً من التوافق والتوحد بين السينما وغيرها من الظواهر سواء أكانت مادية أومعنوية، فإنه تظل لكل ظاهرة في حد ذاتها قدر من الطبيعة المتغردة، تحدد هويتها وتميزها إن (جوهر) السينما يتجسد في ذلك التتابع الكمي للصور المتحركة والذي يرقى بالأحداث خلال مسافة زمنية محسوبة بالدقائق إلى صورة نوعية.
ومن هنا يمكن الإقرار باطمئنان إن السينما – إذا استثنينا التلفزيون، وهو على أية حال امتداد نوعي للسينما التي ولدت في احضان الثورة الصناعي، والتي غيرت من الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعالم على إمتداد قاراته الخمس. وحضاراته المختزنة، وأحذت تبذر قيما مادية ومعنوية وجمالية جديدة على الوجدان الإنساني.
على حين إنه بالنسبة للفنون الأخرى من رقص وموسيقى ونحث ورسم وعمارة وشعر وقصة وحتى المسرح فقد خلقها الإنسان ومارسها واستمتع بها جميعاً قبل الثورة الصناعية وبزوغ الرأسمالية، وظل يبلور صياغتها ويطور مضامينها خلال رحلته الجبارة من عصر (المشاعة البدائي) إلى( العصر العبودي) إلى(العصر الاقطاعي) بكل مافيها من سفوح وقمم تاريخية في كل هذه الفنون السابقة، مع السينما لم يكن الإنسان محتاجاً من أجل الخلق أو الاستمتاع إلى تقدم تكنولوجي معين، بل هناك إنجازات تنتمي إلى عصر ماقبل الثورة الصناعية، مثل اختراع الازميل والفرشاة وتقنين أبجديات اللغة واقتحام عوالم الصوت والقلم والورق والمطبعة ولهذا حديث آخر.
وإلى لقاء جديد