هل بلغت (إكواس) حدودها التاريخية ؟
بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
ذهبت للتسوق في سوق الثلاثاء للخضار قبل يومين ولفت انتباهي حوار ساخن بين مجموعة من الشباب النيجريين (تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاما) يعملون في السوق، وفهمت بحكم إجادتي لبعض الكلمات من لغة “الهوسا” أنهم يناقشون التطورات في بلادهم ويرحبون بالإنقلاب العسكري الذي شهدته وبعزل الرئيس محمد بازوم.
ولأتأكد من حقيقة ما سمعته تقدمت منهم وسألت أحدهم بالعربية، ومعظمهم يتقنون العربية وبخاصة اللهجة الليبية، فأكد لي أنهم سعداء بالإنقلاب لأن الذين قاموا به “نيجريون” قبل أن يتوقف عن الكلام.
هؤلاء الشباب وملايين الشباب النيجريين وهم غالبية سكان البلاد (65 في المائة من سكان النيجر البالغ تعدادهم حوالي 20 مليون نسمة دون 25 عاما) لم يعرفوا الإستعمار الفرنسي ومعظمهم لم يكملوا تعليمهم، أو لم يذهبوا إلى المدرسة من الأصل، بسبب الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية، ولا يعرفون شركة “أريفا” الذراع الصناعية للنووي الفرنسي التي تنهب اليورانيوم الكامن في باطن أرضهم، ولا يعرفون (فاغنر) ولا أين تقع روسيا ليرفعوا أعلامها في المظاهرات المؤيدة للإنقلاب، ولكنهم رأوا في الإنقلابيين أنهم الأحق بحكم بلادهم.
أشرت في مقالي الأسبوع الماضي (الصباح العدد 686) إلى السؤال المسكوت عنه على خلفية هذا الإنقلاب وكتبت : هل سرًعت الأصول العربية للرئيس محمد بازوم الإطاحة به، وبدأ يتضح شيئا فشيئا اليوم أن ذلك قد يكون من الأسباب الرئيسية.
ينتمي أكثر من نصف سكان النيجر إلى جماعة الهوسا العرقية، وهي واحدة من أعرق الشعوب الإفريقية، وقبائل الدجيرما – سونجي وقبائل الجورمانتشيه وهم عبارة عن مزارعين مستقرين يعملون في الزراعة ويسكنون الجزء الجنوبي من البلاد في حين ينتمي الجزء الباقي من شعب النيجر إلى القبائل البدوية الرحالة أو القبائل شبه البدوية من الفولاني والطوارق والكانوري والعرب والتوبو الذين يمثلون مجتمعين قرابة 20 في المائة من السكان فقط، وبالتالي من الصعب ألا نضع هذا الإنقلاب في إطار الصراع العرقي والأثني الذي لعب عليه وشجعه المستعمر الأبيض طيلة عقود طويلة للسيطرة على هذه القارة البكر.
هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارا (إكواس) بعد أن فرضت عقوبات اقتصادية على النيجر بالتدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري والرئيس محمد بازوم إلى السلطة. غير أن المجموعة قد تكون تراجعت مؤقتا عن خيار التدخل العسكري (في انتظار القمة المقررة اليوم الخميس) في حين أعلنت فرنسا، القوة الإستعمارية السابقة دعمها لقرارات (إكواس) ومن بينها التدخل العسكري، وأكدت الولايات المتحدة بأن “عودة الرئيس بازوم للسلطة أمر حتمي”، على خلفية مؤشرات عن استغلال (فاغنر)، الذراع العسكرية للكرملين، الانقلاب في النيجر لتوسيع دائرة النفوذ الروسي في القارة الأفريقية.
رأيت أن استشهد في هذا الصدد بمحاضرة لصديقي، وزير خارجية السنغال الأسبق، رئيس المركز الإفريقي لاستراتيجيات السلم والأمن والحوكمة، شيخ تيجاني غاديو، عام 2022، قال فيها إن (إكواس) قد بلغت حدودها التاريخية. إنها اليوم في مواجهة خمسة إنقلابات عسكرية، إثنان في مالي، إثنان في بوركينا فاسو وواحد في غينيا. ودلًل على كلامه بقول المفكر والعالم السنغالي الكبير، شيخ أنتا ديوب، الذي أكد عام 1975 أن (إكواس) ستصل يوما ما إلى حدودها ولن تستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك وستصبح غير فاعلة.
وأضاف للتأكيد كذلك: “رأينا قادتنا الأفارقة يتوسلون إلى عسكريين انقلابين لقبول فترات انتقالية من ستة أشهر أو عام وعامين وثلاث سنوات… إن ذلك غير مقبول”.
ولاحظ أيضا:” عندما يحمل المدنيون الأسلحة ويتجولون بها في الشوارع نعتقلهم، وفي المقابل نسمح للعسكريين بحمل الأسلحة والتجول بها بحرية. لماذا؟ لأن هذه الأسلحة لحمايتنا … ولكنهم (العسكر) يوجهون فيما بعد هذه الأسلحة ضد الحكومات للاستيلاء على السلطة. إن قدر الجنود الأبطال هو الدفاع عن أرضهم وعن قارتهم. لا أن يكونوا في القصور وفي الوزارات لإدارة أمور لم يتعلموها في المدرسة ولا يفهمونها. الحوكمة العسكرية لا تخلق إلا المشاكل. عندما يكون الجنود في القصور والوزارات والمؤسسات، من الطبيعي أن تهاجمنا التنظيمات المتطرفة ومن الطبيعي أن يتم نهب مواردنا”.