بدون سقف
بقلم: عبد الرزاق الداهش
هل تحتفظ ليبيا خلال بداية هذا القرن، ونهاية القرن الماضي بوديعة في الصين تتجاوز رقم الترليون دولار، يعني ألف مليار دولار؟
لم تكن رميساء أبنة الخمسة أعوام، تتكلم بغير اللغة العربية الفصحى، بسبب مسلسلات الرسوم المتحركة المدبلجة، والتي كانت تأخذ الكثير من وقتها، والأكثر من انتباهها.
كانت رميساء لا تتوقف عن طرح الأسئلة بفضول معرفي، وكانت في أحيان كثيرة، تفتح أسئلة مثيرة حد الدهشة.
وذات جواب لي لم يكن مقنعا على أحد أسئلتها ، قالت لي: “حدسي يقول لي غير ذلك”.
الأطفال يولدون أذكياء، ولكن في كل مرة يتعرضون إلى كم هائل من البلادة، يخسرون معها فطنتهم الغريزية.
وكما يقال لا يوجد تلميذ فاشل، إنما يوجد معلم فاشل، فلا يوجد طفل غبي، ولكن يوجد بيت، وشارع، ومدرسة، يشتركون في حرمانه من الذكاء، وتربيته على الكسل الذهني، فضلا عن بيئة تربي ناسها على محاربة النجاح.
السؤال ماذا لو أن كل إنسان يستعمل حدسه، ويطرح أسئلته التخمينية، ويتفحص هذا الهائل من الأنباء التي تتدفق باتجاهه، ليتحقق من صدقية ما يستمع إليه باختبار المنطق.
فالكذبة يمكن أن تلف الكرة الأرضية مرتين، بينما الحقيقة، مازالت لم ترتدي فردة حذائها، أو كما يقال.
وبمقدور كل شخص أن يبتكر مليون كذبة، ولكن حتى لو ركب السماء السابعة فلن يأتي إلا بحقيقة واحدة. المشكلة قطاع واسع من الناس، أنهم أقل بحثا عن الحقيقة، لأنهم يصدقون ما يرغبون في تصديقه، فقط .
أما قطاع أخرفهم أكثر كسلا في فحصها، وتحري دقتها، لأنهم يتصورون أنها حكرا لهم، ووحدهم.
اليوم تمر عبر شارع القنوات المرئية، بواسطة جهاز التحكم، «الريموت كنترول ، تعترضك آلاف الكذبات، الموجهة إليك من قبل جيش ينفخ في رأسك ليل نهار، لتسقط مضرجا بسذاجتك.
واليوم تحاصر منصات التواصل كل حواسك، وتحاول أن ترميك في بحر من الأكاذيب، بعيدا عن بر الحقيقة.
كيف تستطيع استخلاص الحقيقة من بين هذا الفائض من الأكاذيب، وكما لو أنك تبحث عن إبرة في كومة ضخمة من القش؟
هذه هي مهمة الصحفي، وهذه هي وظيفة الصحافة، التي نسميها أيضا، مهنة البحث عن الحقيقة.
ولذا لا يمكن أن يكون صحفيا، ويكون بدون حدس صحفي، أو أنف صحفي، يمنحه القدرة على التمييز، بين ما هو حقيقة، وبين ما هو كذبة، في زمن الفبركة، والمبالغة، والاجتزاء، والانتقائية، والتوظيف.
الصحفي لابد أن يملك أسئلته، أمام سيل الأكاذيب التي لا يمكن أن تمر عليه هكذا بدون امتحان .. فكيف يكون لليبيا وديعة بترليون، إذا كان كل دخل ليبيا كله، على ستين عاما لا يصل سبعمئة مليار دولار؟
وهناك آلاف الأخبار أو الكذبات المماثلة التي يتم تداولها، دون أي جهد ذهني في التحقق من معقوليتها.. الصحفى ليس مسؤولا على استخلاص الحقيقة، بل يتحمل المسوؤلية كاملة في تجنب ما سواها ، فناقل الكفر کافر في الصحافة.
فأطلب الحقيقة، ولو في الصين