جمعة بوكليب
زايد…ناقص
الفرقُ بين طعنة من خنجر عدو، وأخرى من خنجر صديق، أن طعنة الأول لا تُوصف بالغدر، أي لا يُقال عنها طعنة غادرة، لان العدو بالطبيعة لا يغدر ولا يخون. الغدرُ حِكرٌ على الأخوة والأصدقاء فقط. العدو يطعن من أمام ومن خلف. بينما الصديقُ والأخُ يطعنان من الخلف.
الموتُ واحدٌ في الحالتين. إذ أن الطعنة من الإثنين، من المحتمل جداً، ومن أين جاءت، تكون نهائية، ولا بدَّ أن تكون كذلك. لكن الميتة بطعنة من خنجر في الظهر من أخ / أخت، أو صديق/ صديقة، تختلف، عن طعنة من خنجر عدو، لأن ألمها مضاعفاً.
حين أنغرزَ خنجرُ المدعو “بروتوس” في ظهر صديقه الامبراطور الروماني “يوليوس قيصر”، التفتَ الامبراطور المغدور، فرأى، مندهشاً ومرتعباً، وجه صديقه “بروتوس.” تلك اللحظة، أحسَّ بالطعنة مضاعفة، وبالألم مضاعفاً. وعندها، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، قال قولته المشهورة :” حتى أنتَ يابروتوس!”
ربما لأن الأمبراطور الروماني “يوليوس قيصر”، كان امبراطوراً مشهوراً، على رأس امبراطورية لا تغرب عنها الشمس، خلّد المؤرخون والتاريخ مقولته تلك، كما خلّدوا، في الوقت ذاته، خيانة وغدر صديقه “بروتوس.” بحرصهم على توثيق تلك الطعنة التاريخية.
“بروتوس” ، في ذلك القصر الروماني وقتذاك، لم يكن وحيداً، بل كان بين جمهرة من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني، ممن يكرهون “يوليوس قيصر”، وبيّتوا النيّة على التخلّص منه. ولذلك، لم يكن خنجر “بروتوس” الخنجر الوحيد الذي انغرز في جسد الأمبراطور “يوليوس قيصر.” كانت خناجر عديدة. الفرقُ بينها أن خنجر “بروتوس” كان خنجراً صديقاً مأموناً. ولذلك السبب، لا غير، ورغم توالي الطعنات في جسد الأمبراطور ونزف الدماء منه، لم يولِ “يوليوس قيصر” تلك اللحظة، اهتماما بطعنات خناجر أعدائه، وقصَّرَ اهتمامه على خنجر واحد، كان صديقه بروتوس من غرزه متعمداً في ظهره.
“بروتوس” ذهب في التاريخ عنواناً للغدر وما زال. فهو الرجلُ الذي وثقَ به “يوليوس قيصر”، وأختاره صديقاً. وحين نقرأ، بشيء من اهتمام وتركيز، كتب التاريخ ونقلب الصفحات، نعرف أن “بروتوس” ذاك، لا يختلف عن قابيل الذي غدر بأخيه هابيل وقتله، في بداية مسيرة الانسان على الأرض. ونعرف كذلك أن “بروتوس” وإن كان شبع موتاً تحت التراب، لم يمتْ في حقية الأمر. بل هو حَيُّ يُرزق، ومازال كامناً في كل واحد منّا. ومازال خنجره ذاك تتداوله الأيادي، من كل الألوان والجنسيات والأجناس، في شتّى بقاع المعمورة. السؤال: هل الغدرُ فطري فينا أم مكتسب؟ وإذا كان مكتسباً، فمن علّم قابيل الغدر ياتُرى؟
الكاتبُ المسرحي البريطاني ويليام شكسبير بابداع استثنائي، استخرج تلك الواقعة التاريخية، ونفض عنها الغبار، وقدّمها في نصّ مسرحي مُدهش. ونحن ربما كان أغلبنا على علم بالواقعة التاريخية تلك. كوننا أطلعنا عليها في كتب التاريخ. ومن المحتمل أن عديدين منّا قرؤوا نصَّ شكسبير المسرحي، أو شاهدوا المسرحية. لكننا للأسف إما أننا ننسى بسرعة، ما قرأنا وما شاهدنا وما تعلّمنا، أو أننا نتجاهله عمداً. ومازلنا، إلى يومنا هذا، نسلّم طوعاً ظهورنا إلى خناجر أصدقائنا وأخوتنا وأحبابنا ليطعوننا في غفلة منّا، ونحن لاهُون عنهم، نمارس حيواتنا في سكينة وأطمئنان. خنجرُ “بروتوس” لم يطعن صديقه الأمبراطور “يوليوس قيصر” فقط، بل طعن معه الثقة، وأودى بهما في مرّة واحدة.
هل يعني ذلك أن الاثنين معاً، بروتوس ويوليوس قيصر، يكمنان في جينات كل واحد منّا؟