منصة الصباح

” حافة الموت “

د ابوالقاسم عمر صميدة

بين حافة الموت وحافة الحياة هناك مسافة ومساحة هناك منطقة رمادية كما يقولون كأنها بلا لون مع ان الرماد له لون ، لكنها بلا حرارة ولا نار فالرماد هو ما تبقى من مستعر النار ولا يُنضج طعام ولا يشوى لحم ، فهو بقايا لا تغنى ولا تسمن من جوع ، وفى تلك المنطقة يجد المرض فيها نفسه سيد المكان ، فالأمراض كالطحالب لا تتكاثر إلا على الشواطىء وحواف الانهار وخصوصا الآسنة ، ولأنها أمراض محتالة وتأتى متسربلة تحت منعرجات الزمن ولحظاته المتقلبه فهى تحتاج الى علاج ، ولكن بعضها مستعصية وعصية ، لذا قال أبو علم الطب وفيلسوف الأمراض التاريخى أبى قراط ، قال عبارته المشهورة وهى ” أن الأمراض الميؤوس منها تحتاج الى علاج لا أمل فيه ” ولمن لا يعرف ابوقراط فهو صاحب قسم الأطباء الشهير ، فقد جرت التقاليد فى بعض الجامعات العريقة على ان يقوم خريجى كليات الطب بقراءة جماعية وترديد قسم أبى قراط معلنين التزامهم بسرية وخصوصية مرضاهم ، وليس كما يحدث عندنا فأسرار المرضى وما يواجهونه من مشكلات صحية تجد بعض أطبائنا يتحدثون به فى جلساتهم وصارت قصص بعض المرضى مادة لجلسات بعض الأطباء مع احترامنا للأطباء الذين لا يفعلون ذلك ، فمهنة الطب مهنة عظيمة وهى من العمل الصالح الذى يؤجر عليه الانسان ، ولأن كل سطر فى ملحمة الوجود الانسانى حتى فى الحواف له معنى كما قال د ” مصطفى محمود” لذا فإن معرفة ما قدمه الرواد والسابقين فى أى مجال سواء كان قليل او كثير هو سطر فى ملحمة الوجود ، ولأن ابقراط هو أبو الطب ، ويعتبر أفضل أطباء الاغريق القدماء ، وقد اعتبره العرب الأوائل من أهم المعالجين وقاموا بترجمة كتاباته الى اللغة العربية ، كما قاموا بقراءة وتحليل إنجازاته وتعاليمه وأفعاله وممارساته الطبية التى جرى خلطها وتداخلت مع أعمال وأفكار غيره بسبب تعدّد كُتّاب ما يسمى ” بالكوربوس” الذي جُمِع فيه رسائل وتعاليم طبية وعلمية لكتاب متعددين ، نُسِبت كلها إلى أبقراط كما يتضح من كلمة الكوربورس الاغريقية القديمة ومعناها القصاصات المتعددة ؛ والوثائق بالتالي لا يُعرف اليوم سوى القليل عمّا فكر به أبقراط شخصيًا أو كتب وفعل، لكن الخلاصة هى انه عادة ما يُصوّر أبقراط على أنه المثل الأعلى بين أطباء العصر القديم. ويُنسب الفضل إليه في وضعه ميثاقًا حدَّدَ به أُسس وأخلاقيات وشرف مهنة الطب، وهو الميثاق الذي يُعرِف بقسم أبقراط، والذي لا يزال ذا صلة وثيقة بالكثير من المواثيق القانونية والطبية التي تُستخدم في العصر الحديث. أيضًا يرجع الفضل إليه لأنّه وضع أسس الملاحظات السريرية، وجمع ولخّص المعرفة الطبية التي نتجت عن المدارس الطبية السابقة لعهده ونشرها، حتى أصبح علم الطب مشاعًا بعد أن كان مقتصرًا على بعض البيوتات اليونانية التي كانت تتوارثه بصفته علمًا عائليًا محرم الكشف عنه أو نشره. ومن أبرز المؤلفات المنسوبة إلى أبقراط بعد القسم، يمكن الإشارة إلى: ” تقدمةُ المعرفة، الأمراض الحادّة، الفصول، الأهوية والمياه والبلدان، فهل سيستأنس أطبائنا واصحاب الصيدليات والمصحات الخاصة فى بلادنا ليبيا بما فعله أبوقراط وأخلاقيات أبوقراط بعيدا عن الجشع والاستغلال وجمع اكبر قدر من المال من المرضى وهم على حافة الموت ، دون النظر الى اوضاعهم المالية وضروفهم المعيشية ؟ ، ولأننا فى مجتمع عربى إسلامى أخلاقه التسامح والتعاون وعنوانه الرحمة وإغاثة الملهوف واحترام كبار السن والرفق بالمرضى ، فالعشم ان لا يقوم تجار الأدوية وسماسرة الطب وشركاته باستغلال حاجة الناس للعلاج وللدواء لأن ذلك عمل غير صالح وينعكس سلبا على المرضى ويزيد فى معاناتهم ، فما أحوجنا الى الانسانية والرعاية المجتمعية والتواد والتراحم ، وحفظ الله بلادنا وشفى مرضانا ومصابينا .

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …