منصة الصباح

“سوبر ماركات”

 

 

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

كلُّ صباح، سبعة أيام في الأسبوع، أحرص على مغادرة بيتي، والذهاب إلى “السوبرماركت” القريب مشياً. كل صباح، سبعة أيام في الأسبوع، تقودني قدماي على أرصفة قديمة عَرَفتها، وعبر شوارع حَفَظتها، إلى حيث مقر “السوبرماركت” القريب.

كلُّ صباح، سبعة أيام في الأسبوع، منذ انفكاكي عن روتيني المهني، وانضمامي إلى جوقة المتقاعدين، أمارس روتيني الصباحي الحياني الجديد، حتى صرت مقيداً بسلاسل حديدية غير مرئية إليه.

خلال عشرة دقائق من السير، أو ربع ساعة على الأكثر(يتوقف الأمر على سرعة إيقاع خطوي ومزاجي)، أجدني في “السوبرماركت.” اطوف في أنحائه، وابتاع ما أحتاجه.

كلُّ صباح، سبعة أيام في الأسبوع، أتجه إلى القسم الخاص ببيع الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، واقتني ما أبتغيه منها، وأعود من نفس الطريق، أو عبر طريق آخر ، أطول قليلاً. الطقس والمزاج يتحكمان في ذلك. لكني أعود محمّلاً بأغراضي البيتية وبجرائدي ومجلاتي.

حرصي على اقتناء وقراءة الصحف الورقية مبعثه أمران. أولهما علاقتي غير الودية بالتكنولوجيا. إذ لو كنت أفهم في التكنولوجيا كما يفهم أبنائي، لكنت وفرت مالاً كثيراً، عبر الاشتراك ودفع رسوم شهرية رخيصة، والاكتفاء بقراءة الصحف على الانترنت، ولما كنت أحتاج إلى مغادرة البيت صباحاً.

الثاني من الأمرين هو أنني رغم الخسارة المالية الصغيرة، ربحتُ صحياً ونفسياً وبدنياً. ذلك أن حرصي على قراءة الصحف يدفعني إلى الخروج من البيت صباحاً، والذهاب سيراً على القدمين إلى السوبرماركت.” الخروج من البيت، والمشي صباحاً يعيد انتمائي إلى عالم الاحياء. في حين أن بقائي في البيت يقرّبني من عالم الأموات. الخروج من البيت صباحا ًأضحى ضرورة ، بهدف أن أرى وجه النهار ويراني. وأن أرى وجوه الناس ويروني.

الحديث عن روتيني الحياتي الصباحي ليس إلا عكاز كلام، كما يقول الشيوخ، أتكئ عليه للحديث عن أمر آخر، لفت اهتمامي منذ زمن. فقد لاحظتُ في عدة دول عربية زرتها، من خلال تطوافي في ” السوبرماركت” غياب وجود قسم وأرفف لبيع الصحف والمجلات. وعلى سبيل المثال، إذا دخلت “سوبر ماركت” في طرابلس أو في تونس، أو في القاهرة، ستجد كل شيء يباع فيها، من سلع وخضر وفواكه وملابس ومواد منزلية، لكنك لا تجد أرففا مخصصة لبيع الجرائد والمجلات والكتب!

“السوبرماركت” في طرابلس غير مذنبة في ذلك، على اعتبار أن لا وجود لصحافة بالمعنى المتعارف عليه. وما يصدر من صحف قليلة، لا تتوفر إلا في المكتبات. لكن “السوبرماركت” في القاهرة وفي تونس وفي غيرهما من البلدان العربية لا أعذار لها، كونها تتوجد في بلدان معروفة بوجود صحافة نشطة، وإن اتسمت بالضحالة.

“السوبرماركت” اختراع غربي، أُستنسخَ عربياً. لكن عملية الاستنساخ غير كاملة، أي أن الحرص في النسخة العربية منه، كان مقتصرا على السلع والمؤن والزيت والطماطم وغيرهم. وتم عمداً حذف القسم الخاص ببيع الجرائد والمجلات والكتب. السؤال من فعل ذلك، ولماذا؟

الغريب أن الأمر ، في رأيي، أن لا علاقة مباشرة له بالسلطات الحاكمة في تلك البلدان، بقدر ما له صلة قوية بالعقلية التجارية لأصحاب تلك السوبرماركت. فهم لا يعتبرون الصحافة ( الجرائد والمجلات) والكتب سلعاً، يجب أن تتوفر في السوبرماركت، مثل بقية السلع والخضر والفواكه والمواد المنزلية والملابس!

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …