منصة الصباح
جمعة بوكليب
جمعة ابوكليب

وادي الدُوم

زايد…ناقص 

جمعة بوكليب

ليس هناك أجمل من قراءة رواية تدور وقائعها في واحة صحراوية، في دفء وسخونة كوب من السحلب ، في نهار شتائي لندني شديد البرودة. فتتمنّى لو أن يداً خفية تختطفك فجأة، وتطير بك نحوها.

وادي الدوم” رواية متميّزة. تقرأها مرّة فلا تنساها. رواية الواحات والصحراء. الشمس الحارقة والجفاف. الذئاب والضباع والعقارب والأفاعي السّامة. البشر الذين ولدوا وعاشوا في تلك القفار ولا نعرفهم، يعانون شظف الحياة، وكأنهم يعيشون في قصعة. عثرت عليها صدفة في مكتبة الفرجاني، في آخر زيارة لي إلى طرابلس، ولم تتح لي فرصة قراءتها إلا مؤخراً.

مؤلفها أربعيني العمر، مصري الجنسية، اسمه علاء فرغلي. لم أسمع باسمه من قبل، لكنه روائي يستحق الاهتمام، وأتوقع له مستقبلاً متميّزاً في عالم الرواية العربية.
عنوان الرواية خدعني. جعلني أظنّها ذات صلة بوادي الدوم، اسم المعركة التي أذاق فيها التشاديون الجيش الليبي الغازي لبلادهم هزيمة عسكرية مذلة. وحين قرأتُ الرواية، أتضح لي، ، أن وادي الدوم الذي تدور في أرجائه أحداث الرواية، ليس وادي الدوم الذي أعتقدته.

الرواية ثرية لغوياً. لغة تنساب بسلاسة وجمال وعمق، في واحة صغيرة، في صحراء شاسعة. وعالم من بشر وحيوانات ورمل وأبار وجيوش غازية، ومهربين وقطاع طرق نجهله، فيأخذنا إليه، ونسلم إليه قيادنا طوعاً، ونستغرق في تفاصيله المتشابكة، كمن يضيع في متاهات صحراوية، فيكتشف قارّة منسية.

الرواية بنت الواحة. الواحة في الصحراء الليبية – المصرية. أطلق عليها اسم وادي الدوم، نسبة لشجر الدوم. اكتشفها رجل صحراوي اسمه الشاهين صدفة، يعمل دليلاً في الصحراء، خلال رحلة كان يقود فيها فريق من رحالة إنجليز عبر الصحراء. خبأ السر على الانجليز، ورجع إليها فيما بعد مع أبيه وصديق أبيه وزوجه، وأسسوها. تلك البقعة المخبأة، تصبح واحة واقعية من صنع الخيال، تضجُّ بالحياة في معركة الصراع من أجل البقاء.

تلك الواحة تنكشف أسرارها وعروقها التحتية، لدى سقوط قذيفة ذات فجر على سقيفة جامعها، وتطيح بمآذنه الأربع. انفجار “الدانة” تلك، يكشف لنا ما خبأت الصدور من تواريخ وتفاصيل حكايات متشابكة غير معروفة إلا لهم، من خلال تنقلات السرد، ماضياً وحاضراً، على ألسِنةِ شخصيات متعددة.

في نهاية الرواية، وضع المؤلف قائمة بعدد عشرة مصادر علمية، لكتب تخصصت في الواحات الغربية المصرية والليبية أطلع عليها، وكذلك عدة زيارات ميدانية قام بها إلى عديد من المتاحف في المناطق القريبة لمسرح الرواية. هذا الاهتمام باعداد المسرح، واستيعاب مكوّناته ومفرداته وحكايات ناسه وتاريخهم وتقاليدهم وعاداتهم ولهجاتهم، دليل على أصالة وجدّية الروائي، وحرصه على بناء عالم خيالي بجذور عميقة في عالم الواقع. وهو يذكرني بكاتبة بريطانية لم أعد أذكر اسمها، قرأتُ مقابلة صحفية أجريت معها في التسعينيات من القرن الماضي، عقب صدور رواية لها تدور أحداثها في مدينة لندن. ونظراً لأن الكاتبة نفسها ليست لندنية المولد والمنشأ، ولا دراية لها بالمدينة، قامت باكتراء دراجة نارية، وظلت مرفوقة بخريطة للندن، تجوب شوارع المدينة، خاصة منها ذات الصلة بالرواية التي تنوي كتابتها. وأذكر في هذا السياق أيضا صديقي الروائي محمد النعاس، والذي قبل البدء في كتابة روايته الأولى:” خبز على طاولة الخال ميلاد” قرر تعلم صناعة الخبز في بيته، وقضى أسابيع وهو يحاول حتى أجادها. بعدها جلس إلى مكتبه، وبدأ في عجن خبزه روائياً، ليقدم لنا واحدة من أفضل الروايات.

شاهد أيضاً

بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة

اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …