منصة الصباح
جمعة بوكليب

عن “ذهاب الشِيرة”

جمعة بوكليب

كنتُ أعشقُ سماعّ أغاني المطربة المصرية الراحلة شادية، وأعتقد أنّي مازلتُ أحِنُّ إلى سماع تلك ألأغاني، وكأنني بذلك أستعيد قطعة ضائعة من عمري.

ثمة شيءٌ يميّز صوتها وأغانيها، حتى وهي تغنّي أغنيةً حزينةً مثل:” قولوا لعين الشمس ما تحماشي.”

أتذكر واحدة من أغانيها المَرِحَة المشهورة:”

مين قالك تسكن في حارتنا وتشغلنا وتقل راحتنا.” تروي حكاية صبيّة يذهب بشيرتها حبُ جارٍ جديدٍ سكن في حارتهم.

من كثرة ذهاب شيرتها أنّها كانت حين يطلب أبوها منها أن تعمل له فنجان قهوة تذهب إلى المطبخ وتعدُّ شاياً وتحضره لأمها. وأنّها حين يأتيها سَهوًا خيالُ الجارِ المعشوق لا تَعد تُفرّق بين خالها وعمّها!

ذهاب الشيرة لا يقتصر على العاشقين والمحبّين، بل هو علّةٌ تصيب الجميع مثل عدوى الإصابة بالانفلونزا مثلاً. ويحضرني مثل شعبي ليبي يقول:”

خوذ حصتك أنتَ الأول من كل شيء حتى من ضرب العصا” وفي رواية أخرى :” حتى من ذهاب الشيرة.”

الرواية الثانية غير معروفة، ولم أسمعها تردد، لكني عثرت عليها مكتوبة في كتاب الصديق الكاتب على باني المعنون:” هذا أنا.”

في وقت مضى كانت الناس من حولي تصف من أضاع طريقه بأنه” ذاهب.” ويبدو أن تلك المفردة أو الوصف صار مهجورًا، إذ لم أعد أسمعه يردد من حولي.

لكن قياسًا على ذلك، فإننا حين نصف شخصًا بأنّه مذهوب شيرة نعني بذلك ضياع عقله، أي انشغال عقله بأمور كثيرة تحول بينه وبين التصرف العادي في أحوال عادية.

ذهاب الشيرة داءٌ ليس حكرًا على أناس دون آخرين ولا على شعب دون آخر. ويصيب الكبير والصغير، الرجل والمرأة.

وانتشر مستفحلاً بيننا في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية للحياة غير العادية والظروف الإستثنائية التي نعيشها منذ فبراير 2011.

وكأن التفكير العقلي السليم هجرنا وتركنا فرائس لأنياب ومخالب ذهاب الشيرة، حتى يظننا من لا يعرفنا سُكارى وما نحن بسُكارى.

شاهد أيضاً

عبدالرزاق الداهش

الكتاب المدرسي من الصفحة 100!

.هذا العام ظهرت، مرة أخرى، مشكلة تأخر الكتاب المدرسي وبدل أن يجيء الكتاب قبل العودة …