جمعة بوكليب
زايد…ناقص
في نهاية شارعنا يقعُ مبنى مدرسة ابتدائية للجنسين. تلاميذُ وتلميذاتُ المدرسة وأمهاتهم وأباؤهم هم من يمنح شارعنا الحياة.
خلال العطلة المدرسية الصيفية يُخيّم على شارعنا صمتٌ يُذكّر بصمت المقابر.
يأتي فصلُ الخريف بأمطاره ورياحه فتأتي معه الحياة إلى شارعنا، محمولةً على أقدام صغيرة وأصوات بهيجة، بإيقاعات سريعة وبطيئة في آن، مرتديةً أزياء مدرسية جديدة، وفي أياديها الطريّة تحمل حقائبَ مدرسية جديدة.
كما يتكلمُ الحبُّ، تتكلمُ بأصوات ناعمة، تحملها رياح الخريف ممزوجةً بضحكات إلى كل نوافذ بيوت شارعنا المشرعة على النهار.
من نافذة غرفتي المفتوحة على الصباح، أراقب رياح الخريف تهزّ أغصان شجرة كرز يابانية في حديقة بيتي الأمامية، وتسقط أوراقها على أرض مبللة بمطر البارحة.
أصوات ناعمة صغيرة تصلني، مفعمة بالحياة تخطو ببهجة نحو المدرسة. فأفرح بفصل خريف آخر جاء ليهزَّ أغصان شجرة أيامي، ويسقط منها ما تبقّى متشبّتًا!
بداية كل فصل خريف.
قرابة عقدين من الزمن. في نفس المكان. أستقبل النهار قادمًا عبر نافذة غرفتي المطلّة على الشارع. في قفصي الصدري، أرصد قلبي يفتح بمهل نوافذه على الصباح، بمزاج من يترقب أخبارًا سارّة.
الأخبارُ السارّةُ في عالمنا اليوم، على ما يبدو، فقدتْ طريقها إلينا.
أكثر ما يصلنا من أخبار يُسبب هبوطًا شديدًا في المعنويات.
ورغمًا عن ذلك، فإن قلبي، بحكم العادة وطبيعته، يفتح نوافذه صباحًا مترقبًا وصول أخبار سارّة محمولة على أجنحة رياح خريف يجيء من بعيد، كي يسرق عامًا آخر من صُرّة أيامي.
عودةُ الحياة إلى شارعنا، وعودةُ أصوات وضحكات وخطوات التلاميذ والتلميذات تمنحني بهجةً خفيّة، فأراني أُولدُ في خطواتهم وضحكاتهم من جديد.
وتلك مفارقة! أوصدُ باب الشفقة على ما يتساقط من أوراق، واحدة تلو أخرى، من أغصان شجرة كرز يابانية، مزروعة في الحديقة الأمامية، تطلّ، صباحًا ومساءً، بقامتها العالية على نافذتي، تذكّرني بتساقط أوراق أغصاني، على أرض بللها مطر البارحة.