منصة الصباح
جمعة بوكليب

من تجلّيات الكهولة

جمعة بوكليب

مؤخراً، صار ينتابني شكٌّ في أمورٍ حياتية كثيرة، كنتُ أضعها في مرتبة اليقينيات. لكن الشكّ- ابن ستين كلب- بدأ يتنمر عليَّ، سعياً إلى تدمير منظومة يقينياتي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، صرتُ شديد الإرتياب في تفسيرات المؤرخين الغربيين وغيرهم، في تحليل الأسباب وراء الظاهرة الاستعمارية الأوروبية. فهم يؤكدون أن السبب الرئيس يكمن في أن الثورة الصناعية، ولّدت الرغبة في البحث عن مواد خام رخيصة، وعمالة رخيصة، وأسواق جديدة تسدُّ نهم الجشع الراسمالي للربح. وهو تحليل يرتكز على معطيات واقعية صحيحة. إلا أني، بعد ارتقائي الدرجة السبعين في سُلّم الزمن، انتابني شكٌّ في التفسير أعلاه.

القصةُ بدأتْ حين أحسستُ بعدّة تغييرات أصابتني. في مقدمتها يبرز تغيّر مزاجي من الفصول. فأنا من مواليد شهر ديسمبر. وكانت علاقتي بفصل الشتاء ودّية جداً. وكنتُ لا أطيق فصول الصيف. الأن، انعكس الأمر، بأن صرتُ أتمنّى أن يكون فصل الصيف كل العام. السبب واضح، وهو أن اعتلال بدني بسبب التقدم في العمر جعلني أحبُّ الدفءَ وأكرهُ البردَ.

المشكلةُ أن تغير مزاجي طقسياً لم يتوقف عند ذلك الحد، بل أمتد كثيراً حتى طال أشياء أخرى، ومن ضمنها تفسيرات المؤرخين وراء الظاهرة الاستعمارية الأوروبية في القرن الثامن عشر!!

وفي تفسيري الطقسي الجديد للظاهرة، أنّه بدلاً من السعي للحصول على مواد خام رخيصة وعمالة رخيصة، واسواق جديدة لتصريف المنتوجات، فإن السبب وراء الظاهرة تمثل في رغبة الأوروبيين من الهروب من الطقس البارد والأجواء الرمادية الكالحة، حُبّاً في الدفء والاستمتاع بضوء الشمس.

التفسير أعلاه غير مقبول للمؤرخين ولكثير من الفئات. ومن حقهم رفض التفسير، واعتباره واحداً من تجلّياتي الكهولية الكثيرة. لكنّه، من جهة أخرى، قد يبدو معقولاً لكل الذين جرّبوا العيش سنوات طويلة في بلدان أوروبية، بفصول شتائية باردة وكالحة وطويلة حدّ الإرهاق، تجعلُ المرءَ يعتقد أنّها بلانهاية.

شاهد أيضاً

جمعة بوكليب

وداعًا ماريو

جمعة بوكليب صباح الإثنين الماضي، في نشرة السابعة في المذياع، سمعتُ خبر وفاة الكاتب البيروي …