منصة الصباح

وداعاً رضا بن موسى

جمعة بوكليب

رَبيعُ هذا العام يارضا واقفٌ كالعادة على بَابنا الموارب، مُنتظراً أن نَأذن له معاً بالدخول، ونستضيفه بيننا، مُحتفين معاً، كالعادة، بكؤوس من أنَخاب الودّ، وفَوَحِ الصَحبة، ورَنين الضحكات. لكنك ذهبت وتركت لي مهمة استقباله من دونك. هل أعلمه بما فعله بكَ الموتُ ونحنُ عنكَ لاهون، أم أذرفُ أمامه الدمعَ معتذراً على غيابك المفاجيء، وحُزناً على فُقدانك؟

في كل مَعاجم لُغاتِ الأرضِ، يبرزُ الموتُ مفردةً مُنفرة، برائحةٍ لا تُطيقها نَفسٌ بشرية. ربما لعلمنا أنّ الموت سيفٌ أبديٌ مُسلّطٌ على رِقابنا، يَتبعنا كظِلنا ولا فَكاك منه، في انتظار أن يَسقط فَجأة، ويَقطع حَبلَ صِلتنا بالحياة.

وربما كذلك لعلمنا أنّه فعلُ فاعلٍ بلا هيئةٍ ولا مشاعر. لا يعترفُ بآواصر ما ينمو في قلوبنا نحن البشر من أحاسيس. وليس من طبيعته الرفقَ بنا . ولذلك السببُ، نحنُ وإيّاه على خصومة وسنظلُّ. ولذاتِ السبب أيضاً، نحترسُ منه دوماً بالحرص على اغلاقِ كل الأبوابِ والمنافذِ، التي يُحتمل أن يصلنا منها، بسلاسل وأقفالٍ متينة، وتعليقُ التمائم، والصلاة والدعاء، لاتقاء شرور عدو غير مرئي، لا يفرق بين خبيثٍ وطيّب.

نحن، ما كنّا لنفعل ذلك، لولا علمنا المسبق أنّه يوماً ما، قادمٌ نحونا لامَحالة. وأنّنا لا نجاة لنا من مخالبه وأنيابه. ولأن المراوغةُ شيمته يأتينا على غفلة منّا. وعلى غفلة منّا- نحن أحبّتك وأصدقاؤك وأهُلك في كل ليبيا يارضا الرفيق والصديق- اختطفك فجأة من بين آيادينا. ولم يترك لنا فرصةً واحدة حتى لتلويحة وداع سريعة وأخيرة. وفرَّ بك هارباً إلى حيث لا مكان ولا زمان.

لكنّكَ بَاقٍ فينا ومعنا. تركتَ لإبنائك ولأصدقائك إرثاً عَطراً من دفء الرفقة ودفق الودّ والحبّ، وطيب السِيرة ونقاء السَرِيرة. كما تركتَ لليبيا بغيابكَ الفُجائي غُصّةً في الرُّوح وحَسرةً لا تنام، في وقتٍ هي أحوجُ ما تكون فيه إليكَ.

وداعاً أبوعلي.

وداعاً ياصاحبَ القلبِ النبيلِ، والقلمَ الأصيلِ والرصين.

شاهد أيضاً

“نوافذ سينمائية” تواصل رحلتها الرمضانية وتنتقل الى مصراتة بدعم من هادية قانة..

كتبت /نفيسة حمزة في حديث خص به “منصة الصباح ” كشف المخرج محمد مصلي عن …