منصة الصباح

عن السَناجبِ والبَشر

جمعة بوكليب

ذاَتَ صَباحٍ بَاكرٍ، بينما كنتُ أمارسُ طقوسي اليومية المعتادة في حديقة بيتي، قفزَ فسنجابٌ رماديُ اللون فجأة من على سياجِ حديقة جيراني، وحَطّ على أرضية حديقتي. رؤيةُ سنجابٍ رمادي اللونِ، في حديقةٍ منزلية، أمرٌ عاديٌ، في بلادٍ تُعدُّ مَرتعاً خِصباً للسناجب.

وأنَا جالسٌ على كرسي بلاستيكي، في زاوية من الحديقة، راقبتُ السنجابَ وهو يتحركُ سريعاً في أنحائها. رأيته يقفُ في جهة منها، ويبدأ حفراً في بقعة ما بقائمتية الأماميتين، ثم يتركها سريعاً قاصداً بقعةً أخرى، ويبدأ الحفر مجدداً. كثرةُ تنقلاته وتنقيبه، في أنحاء الحديقة، بشكل يبدو عليه الانزعاج، حفّز انتباهي. وبدا لي احتمال أن السنجابَ ربما نسيَ الأمكنةَ التي خَزّن فيها طعامه، أو أن سنجاباً آخر سبقه إليها، واستحوذَ عليها. وإذا كان تحليلي قريباً إلى الصحة، فهذا يعني أن السناجبَ والبشرَ تتشابه في هاتين الناحيتين.

السنجابُ المذكور أعلاه ربما بلغَ من العمرِ عِتيّاً، ووهنتْ ذاكرته، ولم تعد قادرةً على اسعافه في تذكّر أين خَبأ طعامه، وهذا ما سَبّب انزعاجه، وجعله مثل مجنون يَنطُّ، في أنحاء الحديقة، مُنقّباً. وإذا صَحَّ ذلك، فهذا يعني أن السنجابَ أو السناجبَ عموماً، ليس بمنأى عن الإصابة بداءِ النسيان مثل البشر. أي أنّها تتشابه مع الإنسان حين تكبر وتهرم.

فيما يخصُّ الناحية الثانية، المتعلقة بقيام سنجابٍ آخر بسرقة المخزون من الطعام، فان التشابه مع البشر يكون في أكثر تجلّياته وضوحاً. ذلك أن الاستيلاءَ والإستحواذَ على أملاكِ وحقوقِ الغير من دون وجه حق، سواء بالسرقة أو بالتحايل أو باستخدام القوة، صفةٌ ليس حِكراً على البشر، كما قد يظنُّ خطأ البعضُ. بل هي، في الأصلِ والمنشأ والممارسةِ، صفةٌ حيوانيةٌ بإمتياز. إلا أن الانسانَ، بمرور الوقت، وتزايد جشعه وطمعه، استعارها من عالم الحيوان وتفوّق فيها، وذلك باللجوء إلى تبرير فعلِ السرقةِ والإستحواذِ غير المشروع على ما ليس له، كما فعلَ الغزاةُ والمستعمرون في كل العصور.

شاهد أيضاً

من هو نيرون الأصابعة؟

عبدالرزاق الداهش   هل الجن هو من أشعل النار في بيوت أهلنا بمدينة الأصابعة؟ ولماذا …