منصة الصباح

العيشُ في أوقاتٍ مثيرة

زايد… ناقص

العيشُ في أوقاتٍ مثيرة

جمعة بوكليب

نحنُ نعيشُ في أوقات مثيرة للاهتمام، دولياً واقليمياً وعربياً وليبياً. بالأوقات المثيرة المقصود أوقاتٌ خطرة، وفي ذات الوقت، مهمة. فهل نحن محظوظون بكوننا نعيش فيها أم العكس؟

حربٌ في أوكرانيا تكاد تدخل شهرها العشرين، قلبت العالم رأساً على عقب، وعادت بالزمن عقوداً إلى الوراء. وقبلها أزمة وباء فيروسي دامت أكثر من سنتين، وقضت على ملايين البشر. أزمات أقتصادية عديدة: تضخم وكساد وحروب تجارية حمائية. عودة الانقلابات العسكرية إلى بلدان قارة أفريقيا. أزمة هجرة دولية بدأت منذ سنين وتزداد، وتداعياتها متصاعدة الوتائر.وعلى المستوى المحلي يكفي أن نشير إلى ما حدث مؤخراً في مدينة درنه، على الساحل الشمالي الشرقي.

ما دعاني للخوض في هذا الموضوع، هو فقرة صغيرة في مقال منشور بصحيفة بريطانية، أشار فيه كاتبه إلى لعنة صينية بمثابة دعوة: لا أدري إن كان المقصود بها دعودة خير أم شر!

“اللعنة” المنسوبة إلى الصين، كما وردت في المقال باللغة الانجليزية:”May you live in interesting times.. وترجمتها إلى العربية هي:” أرجو أن تعيش في أوقات مثيرة للاهتمام.” وأعترف أنني قَصِرتُ عن فهم المقصود منها. فأن يتمنّى لك شخص ما العيش في أوقات مثيرة للاهتمام، من المستبعد جداً وضعها تحت خانة اللعن واللعنات. ولو أن ذلك الشخص تمنّاها لي، لكنت شكرته وتمنيت له أو لها مثل ما تمنّى لي. وهذا السبب تحديداً، اضطرني إلى الالتجاء بطلب المساعدة من صديق. وكان الصديق المرتجى هو محرك البحث “غوغل”. وأتضح لي أن اللعنة منسوبة إلى الصينين، لكنها ليست صينية. والمقصود بها التمنّي بالعيش في أوقات خطرة ومثيرة. وقرأتُ إن السناتور الأمريكي الراحل روبرت كينيدي، شقيق الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، استخدمها في خطاب له خلال حملته الانتخابية الرئاسية عام 1968. وكان يقصد أن أمريكا والعالم تعيش أوقاتا خطرة جداً، بسبب شدة العداء وقتذاك مع الاتحاد السوفييتي سابقاً، ومخاطر الحرب النووية. لكنها، في ذات الوقت، أوقات مثيرة، بسبب ما نشهده من تقدم في مختلف العلوم التقنية.

وبناء على ما تقدم، هل نحن في ليبيا نعيش أوقاتاً مثيرة؟ والجواب بنعم. وهو رأي شخصي، وقد يعارضني فيه آخرون، ولهم كل الحق في ذلك. وفي تفسيري لرأيي هو أننا مررنا منذ عام 2011 بمراحل وأزمات وحروب عديدة، أي أوقات خطرة جداً، وآخرها كان كارثة العاصفة، أو الاعصار دانيال، في مناطق عديدة في شرق البلاد. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، من الممكن القول إنها أوقات مثيرة، بمعنى أننا رغم كل الأخطار والمصاعب والازمات تمكنا من مواصلة العيش، في مرحلة ما بعد حكم القذافي، وكنا نظن أن حكمه لا يسقط، وقد يدوم إلى ما شاء الله. ومازلنا نسعى حتى يومنا هذا، إلى محاولة بناء ليبيا جديدة، ديمقراطية، وموحدة، ويتساوى فيها الجميع أمام القانون. صحيح أن الطريقة التي نحاول بها تحقيق ذلك الطموح تعد مثيرة للشك وليس للاهتمام. ربما ننجح في تحقيق ذلك الحلم، وربما نخفق، ونرفع راية الاستسلام. لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث. والطرق أمامنا مفتوحة وموصدة. قد نتمكن، بعون وبتوفيق من الله، من وضع أقدامنا على طريق آمنة وسالكة. وقد نخطيء في الحسابات، ونقع في المحظور، ونجد أنفسنا بعد سنوات عديدة، أننا اخترنا، على عجل ومن دون تدبر وتفكير، طريقاً مسدودة. الأمر الذي يعني حرفياً، مشقة العودة إلى الوراء، إلى نقطة الانطلاق الأولى، لاختيار طريق أخرى. وهذا ما سنفعله.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …