منصة الصباح

جماليات الطرز الليبي

تراث ..

فــرج غيــث

                         

الطرازة فن عالمي قديم جدا، ويعتبر من التراث العالمي، معروف في عدة دول، وكل دولة من هذه الدول لها نمط خاص من تصاميم الطرز عرفت وتميزت بها، خاصة (دول البلقان) دول شرق أوروبا، ودول أسيا وأفريقيا، وهو فن قديم جدا توارثته الأجيال عبر العصور في معجم اللغة (الطرازة) هي علم الثوب، وهي كلمة فارسية معربة، وقد (طرز) التوب (تطريزا) و(الطرز) الهيئة، والطرز أي الشكل ويقال طرز هذا أي شكله، وكلمة التطريز لغوياً تعني وشيّ الثياب أي طرزها بالزخرفة، وتزيينها بالرسوم والأشكال بالإبر الخاصة بالتطريز.

ويعد الطرز الليبي تراثا فنيا كبيرا إذ يعتبر من الأشياء الأنيقة والفاخرة التي ترمز إلى الأناقة والفخامة والتي تضفي على الديكورات الليبية طابع الأصالة، خصوصا في أغطية السرير التي تحتار العين على تنقية من الأفضل منها، ناهيك عن أغطية الطاولات وصينية الشاي أو القهوة إلى غير ذلك، فجمالية الطرز الليبي تختلف وتتعدد، ويمتاز باستخدام خيوط كبيرة ويتميز أيضا بالدقة في عدد الغرزات، ويعتمد على الحساب لكي لا يقع الحرفي في خطأ ويفسد الرسمة.

يذكر لنا صديقي الصحافي زكريا العنقودي بأن الشيخ قنيص (شيخ المألوف والموشحات بليبيا) كان يردد، أن (مألوفنا) ليبي مئة في المئة لكنه استطاع أن يجمع كل اطراف الإرث الموسيقي العربي من غرناطة غربا الى إسطنبول شرقا وهذا ما ميزه. هذا القول ينطبق على العديد من الاشياء المميزة في ليبيا ومنها الزي التقليدي، ربما الموقع الجغرافي ربما المكانة التاريخية أو ربما لحكمة ليبية خاصة أو ربما كل هذا مجتمعاً اعطى للزي الليبي تماما كما فن (المألوف) تميزه وتفرده، فالزي الليبي جمع الأبعاد الثلاثة التي جعلته مميزاً واخيرً الكثير من الخصوصية المحلية، من هنا نستطيع أن نحكم ونبني على ما يميز هذا الزي، ونستطيع أن نعرف كيف يأتي له كل هذا السحر والألق والهيبة.

 

الزبون المكون من 4 قطع مكونةً لوحة فنية متكاملة تحافظ على تواصل الحاضر بالماضي، أصبح يقتصر ارتداؤه على الأعياد أو المناسبات الاجتماعية، وبدأت تتراجع شعبيته لصالح الأزياء الأخرى، ويتكون الزبون أو (كاط ملف) كما كان يسمى قديماً من (السروال) و(الفرملة) و(الزبون) الذي يُرتدى على الفرملة وتلبس فوقهما (البدعية) وتمتاز بالزركشة بخيوط (الخَرج) علي واجهتيهما الأماميتين كذلك علي عنقيهما، أيضا الفرملة مجهزة بأزرار تسمي شعبيا (بالبطُم)، ويضاف لباس (الجرد). والبدعيّة من أجمل وأروع القطع في اللباس التقليدي الليبي بخرجها وطرازاتها اليدويّة وتلبس وحدها أو مع سروالها أو تحتها الفرملة وتلبس فوق منها الجُبّة ويزيد من جمالها اللوزات المطروزات في حواشي البدعيّة من فوق وتحت. والبدعيّة هي نفسها الزبون لكن الصنائعية الطرابلسية قبل ابتدعوها بأن ألغو الإيادي منها بحيث تكون صيفية أكثر.

وأخيرا السروال الذي يتسم بالاتساع في جزئه العلوي للسماح بالحركة الملائمة وخصوصاً لركوب الخيل والعدو والعمل ، فالسروال يتفق في تصميمه عند النوعين العادي للبدلة الصغيرة أو المتميز بقماشه وزخارفه عند أطرافه للبدلة الكبيرة ومن ملحقات هذا الزي الجبة والبرنوس. أما البدلة الصغيرة فهي اختزال لكل فخامة (كاط الملف) وهي تتكون من (فرملة وسروال) فقط وهي للارتداء اليومي على عكس الـ (كاط) والذي تؤهله فخامته للمناسبات الرسمية والأعياد. والاختلاف في النقش بينها وبين البدلة الكبيرة مرده إلي الاصرار علي صياغة كل هذا الحسن بالطريقة الليبية، لذلك يصر الصانع المحلي على ابراز التفاصيل في نقوش البدلة الصغيرة ربما كتعويض للمقتني على فخامة (الكاط). وصناعتها على أيدي العائلات كما في القديم بل احيانا نجدها من مجهود عدة عائلات مشتركة، فتشترك مثلا حتى أربع عائلات في صنعها، عائلة لصنع (الكردون) وأخري للأزرار وعائلة تعمل علي صنع البطانة الداخلية للفرملة وعائلة لصنع الخرج وهكذا دواليك.

وبالرغم من أن زي (الزبون الذي يعدّ من أشهر الأزياء التقليدية الليبية الرجالية) المطرز باليد في ليبيا لا يزال يحظى باحترام الناس، إلا ان ما تتيحه الآلة من أشغال وزخارف جعلت من المشتري يقبل على منتجاتها، وأصبح الكثير من الناس في وقتنا الحالي يلجؤون إلى التطريز بواسطة الماكينة وذلك لقلة تكلفتها أي ثمنها أقل من تكلفة التطريز باليد وسرعة تجهيزها وتطريزها للملابس في وقت أقل من التطريز اليدوي، لكن تبقى جودة التطريز اليدوي وإتقان الصنعة والدقة أفضل بكثير من جودة التطريز بواسطة الماكينة. وللأسف لم تعد تصنع محليا وهذا ربما لمتطلبات صناعتها المكلفة جدا لذلك تولي أمر صناعتها أشقاؤنا بمصر العربية، ومع العلم فهي تصنع هناك خصيصا لليبيين، وأصبحت الطرازة الليبية تضيع شيئا فشيئا، لأن أشقائنا صنائعية مصر لا يعرفون الطرازة الليبية (لا يعرفون الكردون ولا القيطان ولا السنون ولا اللسان ولا العيون ولا فرد الخرج) التي كان يتقنها أجدادنا وآبائنا ليتركها أبنائنا للغرباء، الذين استغلوا ضعفهم وتشتتهم وصنعوا لهم ما يريدون بدون هوية، وأقنعوهم بجهلهم بالشيء، وهناك أمر اخر ربما لا يعلمه الجميع وهو أن هذه البدلة والتي نعي انها ليبية تماما يرتديها إخواننا بأفريقيا خاصة الذين تقع قبائلهم علي حدودنا الجنوبية المتاخمة للصحراء حيث نجد القبائل في مالي والنيجر وغيرها يقبلون علي هذا الاقتناء المميز،(طبعا باختلاف ملاحظ) وهنا لا يجب أن نندهش فهذا الأمر يؤكد على الرابط التاريخي الذي يجمعنا بجيراننا.

شاهد أيضاً

زليتن تشهد استقرارًا في الأوضاع بعد أزمة المياه الجوفية

تواصل وزارة الحكم المحلي جهودها للسيطرة على الأوضاع في بلدية زليتن وتعويض المتضررين وإيجاد حلول …