منصة الصباح

ثـــلج

 

ترجمة/ عمر أبوالقاسم الككلي

تناهت الأصوات الخشنة قادمة من الخارج ثم صوت اصطفاق الباب، أهدأ من المعتاد، لأنها كانت قد أثلجت خلال الليل. حاولت مواصلة عملي، إلا أنني صرت مشتتا تشتتا بالغا . نظرة واحدة، قلت لنفسي، وتحركت نحو النافذة ببطء .

تطلعت من خلال شق في الستارة. ربما لم يكن التخفي ضروريا. كانت ثمة عيون في عدة نوافذ حول الميدان، إلا أن الحراس لم يلحظوها، فلقد كانوا أذرعة القانون وأصابعه وما يراه الآخرون ويعتقدونه لا يعنيهم..

سمعت الصوت المكتوم لحركة السلاسل. خارج المخفر فقط فكوا الأصفاد من حول رجلي السجين. لم يسبق لي أن لاحظت ذلك، ما الذي كان يفكر فيه قائد المجموعة؟. ما من إمكانية للهرب، حقا، ومع ذلك فلم لا يتم الإبقاء على الأصفاد؟. إنها مسألة نفسية، فكرت. فالسجين الآن سیزن فكرة الهروب، ولكنه لن يحاول الإقدام عليها، وسيكون مضطرا إلى الاعتراف لنفسه بأنه رعديد وتحت سيطرة إرادة رجل آخر.

وإذا ما جرى، فحينها سيكون ذلك أفضل للحراس. يختار السجين التحدي بكبرياء. سار برأس مرفوعة أبطأ قليلا مما يرغب الحراس، ولكن ليس إلى الدرجة التي تجعلهم يصفعونه.

لو كنت في نفس الموقف، فكرت، فذلك ما كنت سأفعله.

استقرت عيناي على آثارهم فوق الثلج، أربعة مسارب، ولكنها غير متميزة وتضيع بسبب تداخلها مع بعضها.

أعرف أن قائد المجموعة سيقوم بفعل ما لإذلال السجين. أعرف أنه أخذ يتقد غيظا، وأن غيظه ينبعث منه مثلما تنبعث الحرارة من الجمرة الحمراء.

عند كل عثرة أتوقع أن أرى لمعة سلاحه وسقوط السجين فوق الثلج. لكنه كبح نفسه، كما يقتضي الواجب، ثم وصلوا وسط الميدان . سرعان ما أوثقوه إلى سارية العلم.

الأمر في يد قائد المجموعة الآن. في هذه الحالة يمتلك صلاحيات غير محدودة، تحتمها الضرورة. قال شيئا ما، فتقدم الاثنان الآخران من السجين. أرخيا حزامه، فنظر إلى الأسفل بسرعة، مظهرا أولى علامات الهلع.

اقترب قائد المجموعة من وجه السجين. لم يسبق لأحد، سوى السجناء، معرفة ما قاله . كان للكلمات دوما تأثير قوي واليوم، أيضا، أخذ السجين يتوسل. ابتلعت الكلمات من قبل الثلج، شعرت بتقلص خشية عذاب وشيك، كما لو كنت أنا السجين.

قال قائد المجموعة شيئا للحارسين وهو يقرفص وأخذ، تقريبا بمرح، يجمع كومة ثلج. تظاهر بأنه يسلي نفسه. قال شيئا ما، ثم اغترف الثلج وأقحمه، ببطء، داخل سروال السجين.

طارت عبر الميدان ولولة مدوية. صاروا كلهم الآن يشتغلون على السجين. صب الحارسان حفنات من الثلج في سرواله وقام قائدهما بضغطها على حجره. التصقت خصيتاي بجسدي.

لم يمض طويل وقت حتى تراخت ساقا السجين . سقط على الأرض، مجهشا. ضحك الحارسان ثم حشوا قميصه أيضا. احدث صوت في الغرفة. لم يكن ثمة شيء، إلا أن ذلك جعلني أنتبه إلى أنني أقف في غرفتي، ولست جالسا في الثلج، وسط الميدان. أوليت ظهري للنافذة خجلا من مشاهدتي ما شاهدته. اتبع الحارسان آثار الأقدام عائدين إلى المبنى، وواصل قائدهما عابرا الميدان محدثا فوق الثلج مسربا جديدا. رأيته يخرج الأوامر من الجيب الذي على صدره . توقف کي يوقع الورقة ثم واصل سيره. وسرعان ما عدت لا أراه .

تنهدت وسرت نحو مكتبي. أردت الجلوس، إلا أنني لم أستطع، ثم إذا بطرقة على الباب.

ادخل.” قلت. فوجئت لسماع صوتي بهذه القوة وهذا الوضوح.

فتح الباب وخطا قائد المجموعة نحو الداخل. حياني. هززت رأسي هزة خفيفة، ومددت يدي

عبر الأرضية. دقت قاعدة حذائه الصلبة على الرخام. كان مدركا تماما، فکرت، للآثار البليلة التي يتركها، إلا أن التنبيه إلى ذلك مسألة دون مستواي.

فضيلتكم. قال، مادة التعليمات. و أنا أتناول الورقة، نظرت في عينيه. كانتا جامدتين وباردتين على السطح، ولكن في الأعماق لاحظت أنه كان يضحك.

“شكرا .” قلت.انصرف..

(*) Tom Abray أديب كندي.

شاهد أيضاً

القوى العاملة والصحة

  د.علي المبروك ابوقرين بمناسبة عيد العمال من أهم ما يحتاجه العاملين هو البيئة الصحية …