منصة الصباح
توريد الأدوية في ليبيا..بين فوضى الإدارات وغياب الرقابة

توريد الأدوية في ليبيا..بين فوضى الإدارات وغياب الرقابة

يشكّل ملف توريد الأدوية واحداً من أكثر الملفات حساسية في المنظومة الصحية الليبية، في ظل اتساع الفجوة بين ما يجب أن يكون وفق المعايير الدولية، وما يجري فعلياً على أرض الواقع.

وتقدم عضو هيئة التدريس في كلية الصيدلة بجامعة بنغازي، دكتورة أسماء بوبكر بعيرة رؤية علمية تكشف حجم الاختلالات التي تضرب القطاع من جذوره، بدءاً من غياب عملية الرقابة، وصولاً إلى مخاطر دخول أدوية مجهولة الجودة إلى السوق المحلي.

مدخل الدواء..الحلقة الأخطر

تشدد دكتورة بعيرة على أن جودة الدواء وسلامته ترتبطان مباشرة بالطريقة التي يدخل بها إلى البلاد، فمن دون منظومة “فلترة” تتمتع بالقدرة العلمية والفنية على التدقيق، فإن سوق الدواء يصبح مفتوحاً على احتمالات الخلل:

لا توجد منظومة رقابية متكاملة تشبه المعتمدة دولياً.

الأدوية قد تدخل دون فحص للتأكيد على جودتها وفقا للإختبارات المعيارية المحددة للأمان و الفاعلية.

المواطن لا يمتلك القدرة بتاتا على التمييز بين الدواء الجيد والرديء، ما يجعل الخلل الرقابي مضاعف الخطورة.

ضعف الرقابة..فجوة تهدد السلامة العامة

تشير دكتورة بعيرة إلى أن مستوى الرقابة على الأدوية والأغذية في ليبيا منخفض جداً ولا يتطابق مع الحد الأدنى من المعايير العالمية على حد وصفها .

وقالت ان خطورة هذا الضعف تكمن في:

غياب اختبارات الفعالية و الأمان المطلوبة لتأكيد مستوى جودة الدواء بسبب عدم وجود معامل مجهزة و خبراء مختصين.

اعتماد المنظومة الصحية على المراجعة الورقية للمستندات المقدمة بشكل كبير لا على نتائج موضوعية لاختبارات علمية تجرى محليا.

أزمة التوفر وملف التهريب

رغم أن جميع الأدوية تعاني من مشكلة التوفر، فإن الأزمة أكثر حدة في الأدوية التخصصية مرتفعة الثمن. وتفسّر دكتورة بعيرة هذا الوضع بعاملين:

ارتفاع تكلفة هذه الأدوية وصعوبة استيرادها بشكل نظامي.

غياب الدولة القوية القادرة على ضبط السوق وإدارة الملف الصحي.

وتتعمق المشكلة مع شبكات التهريب التي تستهدف أصنافاً متعددة، حيث تؤكد أن المخدرات والمؤثرات العقلية تمثل “النصيب الأكبر” في عمليات التهريب عالمياً، ويُقاس على ذلك الوضع الليبي على حد تعبيرها .

استحالة توطين الصناعة الدوائية حالياً

وترى بعيرة أن الحديث عن صناعة دوائية محلية في الوقت الراهن غير واقعي لأسباب واضحة:

الانقسام الإداري يعطل أي مشروع إنتاج وطني.

عدم وجود كادر متخصص قادر على إدارة عملية التصنيع الدوائي.

الكوادر المحلية مؤهلة في العلوم الصيدلانية ذات الطابع البحثي، وليس في تصنيع الأدوية أو مراقبة جودتها.

أجهزة الرقابة غير قادرة على إجراء حتى الحد الأدنى من الاختبارات اللازمة.

غياب التسجيل الدوائي.. خطر مفتوح

تكشف دكتورة بعيرة عن واحدة من أخطر الثغرات في المنظومة الحالية وفق قولها حيث وهي عدم وجود تسجيل دوائي في ليبيا.

فالسلطات تقوم بتسجيل شركات الادوية فقط، دون تسجيل كل منتج دوائي باسمه وتركيبته ومصدره.
وهذا يعني ـ عملياً ـ أن:

أي دواء قد يدخل دون بيانات واضحة.

لا توجد قاعدة معلومات وطنية للأدوية المتداولة.

التسعير يتم بشكل عشوائي، ما جعل الأسعار الحالية “غير منطقية”.

الفوضى في إدارة السوق الدوائي

تصف دكتورة بعيرة السوق الدوائي في ليبيا بأنه “سوق عشوائي” لا تحكمه قواعد إدارة الدواء المعروفة دولياً.

فلا توجد:

آليات واضحة للرقابة على الجودة.

خطط مركزية لتوزيع الدواء وضمان توفره.

سياسات تسعير عادلة أو شفافة.

وتضرب مثالاً بالهند، التي تصدّر أدوية للدول الكبرى وفق معايير صارمة تتخذ من طرف الدول المستوردة، بينما في ليبيا لا توجد إجراءات مكافئة لفحص الدواء المستورد.

وتكشف تصريحات دكتورة أسماء بوبكر بعيرة أن قطاع الدواء في ليبيا يقف أمام اختلالات هيكلية تمسّ الأمن الصحي الوطني.

فمنظومة التوريد الحالية تعمل في بيئة يغيب عنها التسجيل الدوائي، وتفتقر لخطوط رقابية فعّالة، فيما تتوسع الفوضى الإدارية لتسمح بانتشار أدوية مجهولة الجودة، دون قدرة على التتبع أو المحاسبة وفق قولها.

وترى أن إصلاح ملف الدواء لا يمكن أن يتم دون إصلاح الدولة نفسها:

قوانين و لوائح تنفيذية واضحة، هيئة رقابة على الأغذية و الأدوية تعمل وفقا لمعايير فنية و إدارية صارمة ( تشمل التسجيل الدوائي)، و كذلك باقي نقاط إدارة الدواء، و تسعيرة عادلة موحدة بمعايير تعزز توفر الدواء للمواطن بشكل سلس و دائم.

الإرادة السياسية مفصلية لحل مشكلة الدواء في ليبيا لكي تخلق لهذا القطاع قوة و حماية باعتباره خط الدفاع الأول عن صحة المواطن.

شاهد أيضاً

روسيا تمنح براءة اختراع لـ "نانوبلومبا": معجون أسنان جديد يحاكي ترميم المينا الطبيعي

روسيا تمنح براءة اختراع لـ “نانوبلومبا”: معجون أسنان جديد يحاكي ترميم المينا الطبيعي

​ حصلت شركة Arnest UniRus الروسية على براءة اختراع لتقنية مبتكرة تُعرف باسم “نانوبلومبا” (Nanoplomba)، …