الصباح/ تقرير
تتكشف اليوم في غرب طرابلس، حيث يعتمد السكان منذ أجيال على الآبار المنزلية لتأمين مياه الشرب والاستخدامات اليومية، أزمة حقيقية تهدد الصحة العامة..
فالمياه الجوفية التي شكلت مصدر الحياة في هذه المنطقة، باتت ملوثة ومتأثرة بعدة عوامل متشابكة، جعلت من الاعتماد عليها دون معالجة خطرًا يهدد الجميع..
مع ازدياد عدد السكان، شهدت طرابلس توسعًا عمرانيًا غير منظم، فقد انتشرت التجمعات السكنية العشوائية في مناطق مثل تاجوراء وحزام طرابلس الجنوبي والغربي، دون أي تخطيط من الدولة، أو رقابة على مواقع البناء وحفر الآبار، وكيفية تصريف مياه الصرف الصحي..
هذا النمو العشوائي جعل الآبار المنزلية قريبة من مصادر التلوث المحتملة، مثل المخلفات المنزلية ومياه الصرف، ما أدى إلى تداخل هذه الملوثات مع المياه الجوفية، ورفع احتمالية تعرض السكان للأمراض المرتبطة بالمياه..
تفتقر العديد من المناطق إلى شبكات صرف صحي متكاملة، وهو ما أدى إلى انتشار “الآبار السوداء”، وتسرب مياه المجاري غير المعالجة إلى التربة والمياه الجوفية..
التحاليل المخبرية أظهرت وجود مستويات مرتفعة من بكتيريا “الإيشريشيا كولاي (E. coli)”، ما يشير إلى تلوث المياه بمخلفات برازية، قد تسبب الإسهال، والتسمم الغذائي، والتهابات المسالك البولية، نتيجة غياب الشبكات العامة، ما يجعل معالجة المياه قبل الاستهلاك ضرورة لا يمكن تجاهلها..
أظهرت الدراسات أن عمق البئر له تأثير مباشر على مستوى التلوث. فالآبار الضحلة، التي تتراوح أعماقها بين 35 و60 مترًا، تعرضت للتلوث بشكل أكبر بنسبة تصل إلى 60%، نتيجة تأثير الملوثات السطحية والأنشطة البشرية المحيطة. أما الآبار الأعمق، فتتمتع بمياه أنقى نسبيًا، لكنها ليست محصنة تمامًا، إذا كانت هناك تسربات من السطح أو المناطق الصناعية القريبة..
تزايد الاعتماد على الآبار المنزلية نتيجة الزيادة السكانية، ونقص موارد المياه العامة، زاد من المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الجوفية.. فمع استنزاف المياه الجوفية، ترتفع تركيزات الملوثات، ويصبح الاعتماد على هذه المياه دون معالجة خطيرًا للغاية. كما أدى الحفر العشوائي للآبار إلى تفاقم المشكلة، خصوصًا عند تجاهل المعايير الصحية اللازمة عند اختيار موقع وحفر البئر..
شهدت طرابلس خلال السنوات الأخيرة انخفاضًا ملحوظًا في معدل الأمطار، ما جعل المياه الجوفية أكثر عرضة للملوثات السطحية. إذ تعمل الأمطار عادة على تخفيف تركيز الملوثات في التربة والمياه، لكن قلة الأمطار في السنوات الأخيرة زادت من خطورة الاعتماد على الآبار المنزلية غير المعالجة، وجعلت تلوث المياه قضية بيئية وصحية عاجلة..
ومع ظهور هذه الأزمة التي تهدد صحة الليبيين، ينتظر الجميع الخطوات الواجب اتخاذها من قبل الحمومات والجهات المختصة، لمعالجتها والمحافظة على صحة المواطن الليبي، في وقت يعاني فيه قطاع الخدمات الصحية العامة من تدني في مستوى خدماته المقدمة للمواطنين، وغياب تام لمراكز التخطيط العام والعمراني، ما جعل انتشار التجمعات السكنية العشوائية والمخالفة تنتشر انتشار النار في الهشيم..