منصة الصباح

من تلاميذ يركبون “الكانتر” الى الوزير في مكتبه المكيف .. اما بعد

علي الهلالي

لا أحد من جيلنا أو من الاجيال التي أعقبتنا يمكنه ان ينسى “الفيشطة” الكبرى التي كنا ننتظرها طيلة العام الدراسي الذي كنا نراه طويلا مخيفا.
وكان أبرز مايخفف علينا عبء هذا العام هو المناشط التي تتخلله بدءا من حصة الرسم والزراعة وليس إنتهاء بالرحلة المدرسية التي كانت تجعلنا في حالة من الطوارئ قبلها بأيام ونحن نستعد لذلك اليوم الذي نعتبره فيصل في حياتنا ..
كنا لاننام من أجل ان لاتفوتنا ساعات الصباح الاولى التي سنذهب فيها للمدرسة بدون كتبنا .. ولاحقائبنا التي صارت جزءا منا حتى باتت كأنها كابوس يتبعنا .. وكذلك سنقابل معلمينا دون ان ننتظر سؤال “وين الواجب؟”.
كنا بالعكس نذهب في هذا اليوم ونحن نسابق الريح بحمولتنا من أكل وشراب سهرت أمهاتنا على إعداده لنتقاسمه مع اولاد صفنا متجاوزين عن كل شيء ..
وكنا نعد لهذا اليوم من بداية العام .. نسأل الذين سبقونا بعام دراسي عن المكان الذي حملتهم المدرسة إليه ونجتهد في معرفة كل شئ عنه ونعقد الإتفاقيات مع رفاقنا على كل التفاصيل وحتى الأواني والمشروبات ويكون كل شي في الصاكو الذي كثيرا ما حملناه صباحا ثقيلا وعدنا به آخر النهار وليس به شئ .. هذا إن عدنا به اصلا.
وكانت التقسيمات في الباص تخضع للمحاصصات .. فالخلف محجوز للجماعة الناشطين الذين لن يجلسوا أصلا على كراسي الحافلة وسينفقون الوقت في”الغناء والتصفيق وتأليف الاغاني والاهازيج وما الى ذلك” أما العاقلين فكانوا في الجزء الأمامي من الباص جلوسا بكل احترام وكانهم في الفصل.
وسيكون الغناء كله موجها للسائق الذي سنعمل على شحذ همته للاسراع من قبيل “ياسواق اجري في المية .. ماتخافش عالبتارية” .. وكذلك سنتغزل به بقولنا “سواقنا ما قنينته .. يبي حلوة مينته”.
المهم في الامر أن الرحلات المدرسية لم تكن نوعا من الترف ولاهي مسألة زائدة في العملية التعليمية لأنها أكثر من مهمة وساهمت في صقلنا ومراكمة ثقافتنا ..
وكان يتوجب توفير كل المقومات لتكون كما ينبغي لها وتؤتي اكلها ..
مادفعني لاستذكار رحلاتنا زمان لجودايم ومصنع 7 اكتوبر للحليب والشرشارة والقربولي وغيرها هو المشهد المستفز لتلاميذ إحدى مدارسنا وهم في سيارات نقل بضائع متجهين إلى رحلتهم التي كان ينبغي أن تكون باحدث الحافلات ويتم تزويدهم بالافطار والاكل الصحي والزي الرياضي ..
نحن لسنا بلدا فقيرا معدما .. وأبناؤنا ليسوا زائدين علينا ولهذا فان واجب الجهة المختصة ان تتحمل مسؤوليتها في ان توفر لهم مايتوجب توفيره ..
احتاجات ابنائنا ليست منة من احد بل هي واجب على المسؤول الذي يجب ان لاينسى وهو في مكتبه المكيف بالوزارة اولئك التلاميذ تحت القيظ.
فالرحلة المدرسية ليست عقوبة .. بل هي ترويح لابد ان يتحقق.

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …