بقلم: علي الدلالي
حركت الحرب الروسية الأوكرانية الرماد تحت مشاكل الأمن الغذائي على المستوى الدولي وبخاصة فيما يُسمى بدول العالم الثالث ذات الاقتصادات الهشة وتلك التي تعتمد على المساعدات الدولية، وليبيا اليوم من دول العالم الثالث، وهي دولة ريعية بامتياز، يسيطر فيها منتج واحد هو النفط، الثروة النابضة، واقتصادها أكثر من هش لا يتوفر على أية بنية لإنتاج محلي استراتيجي، والأدهى والأمر بدأت تتلقى مساعدات دولية، وقد تعلق في شباك البنك وصندوق النقد الدوليين.
تدخل الحرب الروسية الأوكرانية بعد حوالي شهر ونصف الشهر عامها الثاني (اندلعت في 24 فبراير 2022 )، ولم نسمع أو نقرأ من الحكومة أو من مؤسساتها حتى الآن عن خطط طوارئ استراتيجية، جادة وعلمية، لمواجهة تبعات هذه الحرب، لا حاليا ولا على المدى المتوسط أو المدى البعيد، وأقله على مستوى الأمن الغذائي، خاصة وأن دولة ليبيا تستورد أكثر من 95 في المائة من احتياجاتها من الحبوب من الخارج، 43 في المائة منها من أوكرانيا.
إن اعتماد ليبيا على استيراد احتياجات الليبيات والليبيين واحتياجات “المهربين” لدول الجوار كذلك من الحبوب بأنواعها من الخارج وفشلها في توطين زراعة الحبوب في أرضها من خلال الاستخدام الأمثل لعائدات النفط والغاز، جعلها اليوم من بين الدول التي يتهدد شعبها الجوع مرة أخرى إذا طال أمد هذه الحرب، فقد تكون لديك الأموال لكنك لا تجد ما تشتريه من السوق العالمي.
ومن هنا، نرى أنه يتعين على الحكومة الليبية إعادة جميع الحسابات وتشكيل لجنة طوارئ فعلية وليس إسمية تضم وزراء الزراعة والاقتصاد والمياه والبيئة والنقل والمواصلات وأساتذة جامعيين وباحثين متخصصين في الزراعة وفي إدارة الأزمات لتجنب ما قد يصل إلى الكارثة بسبب نقص إمدادات الغذاء وانتشار المجاعة.
لا شك أن المخاطر جدية والحرب الروسية الأوكرانية، حتى وإن انتهت على طاولة مفاوضات في إطار هدنة متفق عليها، هي في الواقع مواجهة فعلية بين الولايات المتحدة وروسيا منذ اجتياح الجيش الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014، وقد تكون مقدمة لحروب أخرى أكثر ضراوة وأشد فتكا، وبالتالي يجب على الدول التي تُمسك بمفاتيح الطاقة وتعيش على ما يأتي به البحر من خلف الحدود مثل ليبيا، العودة إلى رشدها واستثمار جزء مهم من عائدات “المنتج الواحد” لضمان الأمن الغذائي وبناء مراكز البحوث الفعلية وترقية قطاع زراعة الحبوب وتقنين الزراعة الورقية التي تستنزف المياه الجوفية دون طائل.
قراءة التاريخ التي وصفها الكاتب الصحفي اللبناني سمير عطا الله بأن الكثير منها ألم والقليل جهل، تذكرنا بمشاهد طوابير المهاجرين عبر العالم، بالأمس واليوم، الفارين من بيوتهم وأرضهم بسبب الخوف والجوع، وهو مشهد عرفته بلادنا عام 1911، وتكرر عام 2011، وتفرض على السلطة الحاكمة اليوم اتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهة صدمة شح الغذاء طالما أنها تمتلك حتى الآن الموارد اللازمة والوقت للتصرف وفق استراتيجيات واضحة وبسيطة وقابلة للتطبيق.
يقول المثل الصيني “من أعطيته سمكة أشبعته ليلة ومن علمته الصيد أشبعته كامل حياته”… جميل جدا أن تساعد الحكومة ذوي الدخل المحدود، وتصرف منحة الزوجة والأولاد، وتوحد المرتبات، ولكن الأجمل من ذلك أن تكف السلطة الحاكمة اليوم عن السياسات الفاشلة التي دأبت عليها كافة الحكومات السابقة منذ الاستقلال إلى اليوم والقائمة على إدارة ميزانية الدولة المتأتية من صادرات النفط كبرنامج إنفاق عقيم في دولة ريعية، وأن تسعى لتطوير مناهج التعليم والإنفاق على البحوث الزراعية والعلمية وإحياء مخزون البذور المحلية الذي تلاشى لضمان الأمن الغذائي للشعب الليبي.