بقلم /هيثم الدغري
ساهمت عدد من المشاهد المرئية في تبلور فكرة تحد من نوع خاص، ومن هذه المشاهد قبول رجل أعمال ليبي لتجد فرصة محاوره، صرح خلاله عن قيمة ثروته بشكل تقريبي وإن حاول في البداية التنصل إلا أن إصرار المحاور دفعه لذلك الإفصاح مع أهمية الإشارة إلى أن الأثرياء العرب يتهربون من إجابة هذا السؤال بمناورات تكتيكية قد تُدرس بالكليات الحربية في فن المراوغة، ومن تلك المشاهد أيضا ورود خبر على قناة اقتصادية عربية مفاده قيام عدد من مليارديرات العالم بالتبرع بمبالغ تكونت من ست خانات كنسب مئوية زادت عن نصف ثرواتهم لصالح مشاريع تنموية، أيضا من تلك المشاهد بعض المقاطع لأجزاء من برامج تستعرض قصص نجاح عدد من رجال الأعمال وكيف أنهم بنوا إمبرطوريتهم من العدم إلا أنهم لم ينسوا حصة المجتمع من ثرواتهم حيث يتبرعون بسخاء لصالح أعمال تنموية ويكفى فقط الإشارة إلى أن أحدهم يدرس على حسابه الالآلف إن لم يكن عشرات الآلاف من الطلبة في داخل بلده العربي وخارجه مع أن بلده عانى من ويلات الحرب الأهلية لعقود وغيره الكثير من الأثرياء ورجال الأعمال يفعلون ذات الأمر، ويكفي فقط استحضار مشهد يوم اغتيال رجل الأعمال ذاك كيف كانت تبكيه عيون لا يعرفها في درس كان من المُفترض أن يتعلم منه الكثيرون سواء من الساسة أو من رجال الأعمال لكن لا حياة لمن تنادي، أيضا مشهد آخر شارك في تبلور الفكرة حين عرف في إطلالة إعلامية سابقة رجل الأعمال الليبي الذي قبل التحدي التاجر من وجهة نظره بأنه ذلك الذي يخرج من بيته صباحاً بمال ويرجع آخر النهار بذات المال ومعه قفة «سلة» زاد لأهله، وهنا يفرض السؤال نفسه عن مكان المجتمع ومكانة الدولة في مصفوفة القيم عند رجال الأعمال في ليبيا، هذا مع الافتراض جدلا بأحقيتهم بهذه التسمية، هؤلاء رجال الأعمال من التجار وما أدراك ما التجار في ليبيا فبعضهم بأفعاله أوجد لدى البعض يقينا راسخا بأن التجارة ظاهرة استغلالية والحديث هنا ينحصر على التجارة بالمواصفات الليبية وليس بعمومها، فهناك من الصحابة من كان تاجرا، وفي هذا الصدد يدفعني فضول لطرح سؤال على رجال الأعمال الليبيين عن تعريفهم للاستثمار الآمن الذي يطالبون به، فمن المعروف أن كل عملية استثمار محفوفة بمخاطر والمفترض أن تكون المُطالبة ببيئة استثمار آمنة غير متُقلبة الرؤى والتشريعات ، إلا إذا كان لرجال الأعمال الليبيين مفاهيم أخرى كونهم اعتادوا الكسب الفاحش ويبدو أن قواميسهم لا تتضمن مُصطلحات المجتمع والمُخاطرة والمُغامرة والخسارة.
هذه المشاهد وغيرها جاءت في سياق تمكن من ماوادة فكرة تدور في خلدي منذ زمن ليس بالقصير ، ومن المعلوم أن هناك من بنات الأفكار ما يُكتب لها أن تولد لترى النور أو تؤد لعدة أسباب أو تظل مُحتشمة في مكان ما إلى أن تحين ساعة الصفر بوقوع حدث لتنطلق أحيانا بشكل قد لا تُجدي معه كل محاولات كبح الجماح أو قيد الاندفاع، وكان الحدث هنا تصريح لأحد رجال الأعمال الليبيين وعله يكون كبيرهم في برنامج مرئي بأنه لا يهاب خوض غمار أي تحد ليتولد بذهني سؤال مدوي هل يا ترى يفعلها رجل الأعمال الليبي هذا ويقبل التحدي ؟! وهل يفعلها الباقون من رجال الأعمال؟
ولمعرفة الإجابة هذه دعوة مفتوحة على رؤوس الأشهاد لرجال الأعمال ولغيرهم لقبول التحدي، ليس تحدي سكب الثلج أو أداء رقصة أو نشر صورة قديمة إنما تحد من نوع خاص ولا أخفي سرا بالبوح أن نفسي تصبو لأن ينتشر هذا التحدي كالنار في الهشيم تحت مُسمى «تحدي العهد» عله ينالنا والعاملين بصحيفة الصباح أجر الدال على الخير، مع الإشارة إلى أن هذا التحدي ليس استنساخاُ لمبادرة العطاء التي أطلقها بيل غيتس وزوجته قبل عشر سنوات وإن كانت تلك المبادرة نموذجاً جديراً بالاقتداء، وتتلخص فكرة «تحدي العهد» ببساطة بقيام شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا، بمعنى فرد أو مؤسسة مهما كان شكلها بأخذ عهد علني على نفسه بالتبرع بنسبة من أمواله سواء كانت هذه الأموال من تجارة أو من مرتب أو من مدخرات وسواء كان التبرع دفعة واحدة أو بشكل دوري ويمكن أن يتضمن الإعلان قيمة محددة أو نسبة معينة أو يتم الاكتفاء بالإشارة فقط للدخل وذكر الجهة التي سيتم المشاركة في تطويرها، بحيث يُمنح التبرع لصالح مشاريع تنموية من المُفترض أن تُنظم في إطار برنامج تطويري يُمول من صندوق أهلي يدعم المشاريع التنموية لعدة قطاعات، وذلك قياساً بالصناديق السيادية التي أوجدتها الدول ومنها الدولة الليبية بدعوى أنها للأجيال القادمة، وبديهيا أن تلك الأجيال القادمة في حاجة لأن تتعلم الآن وفي حاجة لأن تُعالج الآن وفي حاجة لأن تعيش في بيئة نظيفة الآن وفي حاجة لأن تعيش في ظروف مُستقرة الآن وغيرها من الحاجات وهي أمور لا تنتظر ولا تؤجل ، فالآن وفقا لتعريف هيلارى كلينتون تعني الآن، مما يعني وجوب الاهتمام الآني بالدرجة الأولى بالمؤسسات الصحية والتعليمية وغيرها، وإلا لن يكون هناك أجيال قادمة لتنعم بتلك الودائع هذا لو افترضنا جدلا أنها ستجدها في ظل ما نرى ونسمع بخصوصها ويبقى هذا ملف في حاجة لبحث وتقصي ومن هذا المقام يمكن توجيه دعوة لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها خاصة ذات الطابع الاستقصائي لإيلاء ملف الاستثمارات الليبية اهتماما من نوع خاص.
فهل يا ترى يفعلها رجال الأعمال في ليبيا، ويقبلون التحدي بالتبرع بثلث ثرواتهم علهم بذلك يفتحون باباً للخير يطال أجره الجميع؟ ويكفي أن نعلم أن هناك من أثرياء العالم من يتبرع بأكثر من نصف ثروته التي تُقدر بالمليارات، بحيث يُخصص المبلغ الذي يُتقرر التبرع به والذي وإن لم يكن بحجم ثلث الثروة إلا أنه يؤمل أن يكون كبيراً لدعم أحد البرامج التنموية، وحيث أن المقام لا يتسع لبيان فضل الصدقة الجارية يكفي الإشارة فقط إلى أن الإنسان لو كتب له أن يؤجل ساعة وفاته ليقوم بعمل واحد فسيختار الصدقة لفضل أجرها، وحيث أن رجال الأعمال قد لا يفهمون إلا لغة الأرقام يمكنهم قراءة الآية رقم 259 من سورة البقرة.