بقلم :عبد الباري رشيد
الحرب على عاصمة كل الليبيين طرابلس دخلت شهرها الثامن ، وحصدت معها أرواحا ومُصابين وجرحى فاق عددهم العشرة الآف فضلاً عن دمار شامل للمناطق الواقعة في قلب الاشتبكات ، ونزوح جماعي لأكثر من 150ألف مواطن من بيوتهم ، وتحولهم إلى لاجئين تحتضنهم مراكز الايواء ، كل تلك الحصيلة التي هي في ازدياد مع كل يوم جديد – لم تحرك ساكناً لدى مجلس الأمن الدولي – الذي وقف عاجزاً عن التوافق بشأن اتخاذ قرارات فورية وحاسمة – وظل يُراوح في مكانه على مدى الشهور السبعة الماضيّة.. ولم تتعاط. بجدية – الدول الخمسة الكبار مع « نزيف » الدماء والخراب الذي تشهده العاصمة وكأنهم ينتظرون في ضحايا جُدد !! وإلاّ بماذا يُفسر كل ذلك الغياب عن المشهد الليبي والذي وصل إلى حد «العُقم» بحسب تصريحات صدرت مؤخراً عن المبعوث للأمين العام للأمم المتحدة السيد سلامة .
الذي ذكر بأن المجلس وخلال اكثر من ١٤ جلسة لم يتمكن من « إحراز » أي تقدم في الملف الليبي لأسباب لم تعد خافية على أحد – وتعود إلى مصالح « متناقضة» مابين الدول الكبرى والتى ترى كل واحده منها – الملف الليبي – من منظور مصلحي ذاتي دون الالتفات إلى حنفيات الدماء المفتوحة وعذابات النازحين « المدنيّين » الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وضافت بهم مراكز الإيواء بسبب كثرة اعدادهم التي فاقت « ال ١٥٠الف نازح . بحسب إحصائيات أممية – وحتى حين ظهرت بوادر إنفراج للازمة عبر جولات دبلوماسية في العديد من العواصم الاوروبية – وفي نيويورك مقر المنظم الأممي التي شهدت بدورها إلتئام ما عرف بمجموعة « العشرة » فضلاً عن مايُعرف بتحضيرات مؤتمر « برلين » وجولات التفاوض الدبلوماسيه رفيعة المستوى والتي احتضنت المانيا خلال الايام القليلة الماضية إحداها – إضافة الى تصريحات المبعوث الأممي أيضاً التي ادلى بها لأكثر من وسيلة إعلامية مقروءة ومرئية عبر جولاته المكوكية – فإن المراقبين يرون بأن تلك الإنفراجه لم تكن سوى « فقاعة » في الهواء ، ويعزون رؤيتهم تلك لتصريحات صدرت عن وزير خارجية المانيا السيد « ماس » الذي أعلن على هامش الاجتماع التحضيري لقمة برلين الذي احتضنته بلاده في الايام القليلة الماضية بأنه « من غير الممكن إعطاء » ضمانات بشأن إمكانية أن تتمخض عن قمة « برلين» نتائج إيجابية ..
وتبعا لذلك، استمرت التجاذبات والمراوحات في نفس المكان من طرف المجتمع الدولي تدفع الليبيين وبقوة إلى التمسك بالمبادرات الوطنية المنبثقة من الواقع الليبي ، وتحديداً المبادرة السياسية التي طرحتها حكومة الوفاق يوم 16/6….بعد شهرين من عدوان أبريل الماضي، وكانت متكاملة في تفاصيلها، وآلياتها وحتى بسقف زمني لإنجازها- وهي المبادرة التي لاقت قبولاً ورضاءً من مختلف الشرائح الفكرية والسياسية والثقافية ومن منظمات المجتمع المدني وقطاعات الشباب والمرأة ورجال الدين والعسكريين وغيرهم من الشرائح التي تمثل مختلف التوجهات في المجتمع الليبي الذين طرحوا آرائهم وأفكارهم خلال اللقاءات التشاورية مع رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي والتي تواصلت على مدى شهر كامل خلال سبتمبر الماضي بحيث كانت هناك « قواسم عديدة مشتركة تشكل في مجموعها نموذجاً لمشروع وطني يُشعر الليبيون جميعهم بأنهم جزءٌ منه ويتطلعون من خلاله إلى مستقبل ليبيا – ومقومات الدولة المدنية المنشودة . فلا يجب أن ينتظر الليبيون « ما يُطْبخُ » في الخارج من قوالب جاهزة – بل أن يكون الجميع مستعدين بمشروعهم الوطني ، والذي تضمنت خطوطه العريضة المبادرة السياسية وآلياتها في عقد ملتقى يجمع كل الليبيين المؤمنين بالدولة المدنية – والرافضين لعسكرتها ويتم خلاله الاتفاق على « خارطة » طريق للمرحلة القادمة – وإقرار القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية 2019 – ويقوم الملتقى بتسمية لجنة قانونية لصياغة القوانين الخاصة بتلك الاستحقاقات وإحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات – وتكون مخرجات الملتقى ملزمة للجميع ، ويتم خلال الملتقى أيضاً الاتفاق على « آليّات » تفعيل الإدارة اللامركزية والاستخدام الأمثل للموارد والمالية والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا ، وينبثق عن الملتقى أيضاً هيئة عليا « للمصالحة » تقوم بالإشراف والمتابعة لذلك الملف – فضـلاً عن تفعيل قانون العدالة الاجتماعية – وقانون العفو العام وجبر الضرر باستثناء من ارتكب جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية ، وبكل تأكيد فإن المبادرة السياسية لم تغفل توجيه الدعوة للمجتمع الدولي لدعم كل بند فيها – على اعتبار أن ليبيا جُزءاً من المجتمع الدولي – واستقرارها وخروجها من أزماتها له تأثيرات « إيجابية » على المستوى الأقليمي والدولي . ومن هنا يمكن التأكيد على أن مبادرة « الوفاق » وكل ما أفرزته اللقاءات التشاورية من وحدة الرؤية – هى خيار الليبيين الأساسي والرئيسي الذي يجب أن يترجموه على أرض الواقع وبأقصى سُرعة من خلال تطبيق بنودها وآليّاتها وكل ما ورد فيها من جُزئيات وتفاصيل دقيقة ..