منصة الصباح
جمعة بوكليب

تاريخٌ بيدٍ واحدة!

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

الحيرةُ، هذه الأيام، تتلبسُ التاريخَ. فهو – حسب ما يُردد في الإعلام- بيدٍ واحدة. التنافسُ على تلك اليد العظيمة واليتيمة معًا على أشُدّه، وخاصة بين أهل السياسة، كونهم أكثرنا طموحًا، وأعظمنا توقًا للفوز بالخلود.

الصراعُ والتنافسُ على من ينالَ منهم اليد اليتيمة والعظيمة لا يتوقف. التاريخ في حاجة إلى مساعدة لجنة من المؤرخين تعينه على اختيار قائمة من الشخصيات السياسية ، كي يضع يده العظيمة على أجدرهم. لكن من يضمن أن اللجنة المقترحة مُحصّنة ضد الانحياز؟

ما يغيظ التاريخ، إدّعاءُ البعض من أهل السياسة بمزاعم ناشزة مفادها أنّهم يشعرون بيد التاريخ فوق أكتافهم، لدى قيامهم بعمل من الأعمال الكارثية المُنفرة. فَعلَ ذلك رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير لدى غزو العراق، حين أدّعى مفتخرًا، آنذاك، أنّه شعر بيد التاريخ فوق كتفه. في ذلك الوقت، واقعيًا وفعليًا، كانت يد التاريخ مشلولة من هول الفظاعات التي كان يرتكبها الجيشان الاميركي والبريطاني ضد الشعب العراقي.

الآن، وحربُ الإبادة ضد سكان قطاع غزة تدخلُ شهرها الواحد والعشرين، يرفع التاريخ يده ويضعها على وجهه خجلاً من هول ما يرتكب من فظاعات ضد مليوني فلسطيني تُركوا لحالهم أمام جبروت أعتى آلة عسكرية في المنطقة. لا أحد يلوم التاريخ على موقفه الإنساني، في وقت تخلت فيه الإنسانية عن ضميرها، وأدارت للمأساة ظهرها.

في يوم الاربعاء الموافق 6 من شهر أغسطس الجاري مرّت الذكرى الثمانون على القاء أميركا القنبلة الذريّة على مدينة هيروشيما اليابانية، وأخرى بعدها على نجازاكي. الواقعة تلك ما زالت تحيّر التاريخ، كونه لم يعرف بعد أين يضع يده: فهو لن يضعها على كتف من صنع القنبلة، أو على كتف الطيار الذي تولى اسقاطها، أو على كتف الرئيس الأميركي الذي أصدر الأمر.

بعد ثمانين عامًا على حدوث الجريمة، كيف يمكن للتاريخ أن يضع يدًا واحدة على أكتاف ملايين الضحايا المجهولين؟

شاهد أيضاً

د.علي المبروك أبوقرين

الجوعُ والمرضُ والذُّلُّ كافرون

د.علي المبروك أبوقرين غادر الموسيقار والشاعر الكبير زياد الرحباني وترك فينا ما يصور ما مر …