منصة الصباح

تأمل في المعنى  2/1

علي المقرحي

المعنى هو الامكانية الوحيدة أمام الموجودات جميعا ليكون لكل منها قيمة تخصه ، كما أنه المصدر لكل قيمة ، فما ليس له معنى لاقيمة له  ، أما ما يحدد ذلك فهو الوعي الذي لا يمكن فصله عن ملكات وأدوات وآليات تحققه  ، فالوعي ببحثه في دلالة وجود الموجودات ( أي معاني ذلك الوجود الذي لا يتحقق إلا بتلك الموجودات ومن خلالها ) يكتشف تمايزات وتباينات فيمابين تلك المعاني وفيما بين الموجودات التي تجسدها ، الأمر الذي يفيد أن المفاضلة نتيجة طبيعية لذلك الاكتشاف ،  والمفاضلة بين الموجودات وبالتالي بين معانيها هي  نفسها ” التقييم ” أي تحديد قيمة كل موجود من الموجودات  ، وكي لا ينهار كيانه او يفقد ذاته لا بد للوعي من أن يحرص على ديمومة معناه وعلى وضوحه وعدم تداخله مع غيره من المعاني ، وتجاوز راهنه إلى زيادة بيان ذلك المعنى وجلاءه ، وأن يولي قيمته المعقودة بناصية ذلك المعنى ، نفس القدر من الاهتمام والحرص ، وهو ما يفيد بالخلاصة تأكيدا  لأهمية وضرورة تطوير الوعي نفسه وارتقاءه ، لتتنامى قدراته وإمكانيات تحديده للمعاني المتباينة والمختلفة ، ومفاضلته بين قيم الموجودات التي تجسد تلك المعاني    وعندما يخبرنا الوعي بتلك المعاني ويسميها ، ويعلن القيم المرتبطة بها فليس بمقدوره أن يأتي بشيء من ذلك إلٰا في حدود قدراته المحكومة من بالقدر الذي لديه من التطور والارتقاء ، وفي هذا تفسير لتفاوت مستويات الفهم وتباين قدرات البشر على استيعاب معاني ما يواجهه وعي كل منهم من موضوعات ، بقدر ما فيه من إلحاح على أهمية معرفة الوعي نفسه أي ( وعي الوعي ) وتلك مهمة الوعي الإهم من كل مهامه الأخرى ، حتى أنها لاتقل أهمية عن تلك التي دعا سقراط الانسان إليها ، بل يمكننا القول انها المهمة السامية نفسها بغير كلمات سقراط  .

وإذا بدا بديهيا أن البيئة ( المأخوذة هنا بما يوافق أكثر دلالاتها اتساعاً وشمولا ، أي العالم الذي يعيش فيه الانسان ويعايش مكوناته الطبيعية والبشرية والثقافية ) التي نشأ وينشأ الوعي فيها ، هي الوجهة الأولى التي لا بد للوعي من أن ينتبه إلى حضورها ويتجه إليها في رحلة تعرفه إلى ذاته ، فمن البديهي كذلك أن فهمه لبيئته يتوقف على مدى تطوره وإمكانية الإحاطة بها واستيعابها ، إلى جانب مدى يقظته وانتباهه إلى التباينات والاختلافات القائمة بينه وبين بيئته ، بحيث لا يرى نفسه جزأاً منها ، ولا يراها امتدادا له ، بحيث يكون من دلائل تطوره وارتقاءه بارزا بجلاء عبر تمييزه بين ذاته من جانب وبيئته من جانب آخر ، وتلك خطوة ضرورية لامناص للوعي من أن يخطوها لأنها خطوة تطورية إضافية من معانيها أنها ليست رفضاً للبيئة أو نبذ لها ، ولا هي تنصل من الإرضية التي نبت فيها وتغذى من نسغها  ، بل تعني الاحترام للذات ولما يغايرها ، ولخصوصيتها وخصوصية ما يختلف عنها .

إلى ذلك لايستوي الحديث عن الوعي   ( الذي تتميز به الذات الإنسانية ) دون التطرق إلى علاقته بالفطرة الانسانية ، التي ترفد تميز الانسان عن كل ماعداه  وتؤكد ذلك التميز ، بل أن ذلك التميز شرط لازم لسواء الفطرة ، بحيث لا يعبر عن فساد الفطرة أن يكون مجرد رأس في قطيع وأن يقبل ذلك ، أو أن يكون ترساً في آلة ، بل إن ينظر إلى غيره بذلك المنظور أي باعتباره رأساً في قطيع أو ترساً في آلة ، فليس من فساد الفطرة الخضوع للآخر والانصياع لإملاءاته فقط ، بل أيضا اية محاولة لاخضاع الآخر وارغامه على قبول ما يعن من املاءات ، بهذا المعنى وبالنظر إلى الوعي من زاوية قيمية ، يمكن القول أن الموقف الذي يتخذه الوعي من القيم السائدة في عالمه ، وهل هو موقف قبول لتلك القيم واستمراء لما يترتب عنها من نتائج تؤثر عليه وعلى ؟ أم أنه موقف امتعاض وضيق قد يصل حد الرفض ، أو موقف تساؤلي نقدي هدفه فهم تلك القيم واكتشاف ما يعتورها من تناقض ، بهدف إصلاحها أو حتى استبدالها بقيم مغايرة تكون أكثر عقلانية وموضوعية واتفاقا مع سنن الوجود والحياة وقوانين التطور .

واذا لم نغفل عن منطلقنا القائل أن المعنى هو الامكانية الوحيدة أمام الموجودات ليكون لكل منها قيمة تخصه ، فلن يكون طرحنا السؤال عن ( معنى ) القيمة خروجاً عن موضوعنا ، ولا انزياحا عن سياق النقاش .

المعنى هو الامكانية الوحيدة أمام الموجودات جميعا ليكون لكل منها قيمة تخصه ، كما أنه المصدر لكل قيمة ، فما ليس له معنى لاقيمة له ، أما ما يحدد ذلك فهو الوعي الذي لا يمكن فصله عن ملكات وأدوات وآليات تحققه ، فالوعي ببحثه في دلالة وجود الموجودات ( أي معاني ذلك الوجود الذي لا يتحقق إلا بتلك الموجودات ومن خلالها ) يكتشف تمايزات وتباينات فيمابين تلك المعاني وفيما بين الموجودات التي تجسدها ، الأمر الذي يفيد أن المفاضلة نتيجة طبيعية لذلك الاكتشاف ، والمفاضلة بين الموجودات وبالتالي بين معانيها هي نفسها ” التقييم ” أي تحديد قيمة كل موجود من الموجودات ، وكي لا ينهار كيانه او يفقد ذاته لا بد للوعي من أن يحرص على ديمومة معناه وعلى وضوحه وعدم تداخله مع غيره من المعاني ، وتجاوز راهنه إلى زيادة بيان ذلك المعنى وجلاءه ، وأن يولي قيمته المعقودة بناصية ذلك المعنى ، نفس القدر من الاهتمام والحرص ، وهو ما يفيد بالخلاصة تأكيدا لأهمية وضرورة تطوير الوعي نفسه وارتقاءه ، لتتنامى قدراته وإمكانيات تحديده للمعاني المتباينة والمختلفة ، ومفاضلته بين قيم الموجودات التي تجسد تلك المعاني وعندما يخبرنا الوعي بتلك المعاني ويسميها ، ويعلن القيم المرتبطة بها فليس بمقدوره أن يأتي بشيء من ذلك إلٰا في حدود قدراته المحكومة من بالقدر الذي لديه من التطور والارتقاء ، وفي هذا تفسير لتفاوت مستويات الفهم وتباين قدرات البشر على استيعاب معاني ما يواجهه وعي كل منهم من موضوعات ، بقدر ما فيه من إلحاح على أهمية معرفة الوعي نفسه.

شاهد أيضاً

د. مجدي الشارف الشبعاني

هل تتحول ليبيا إلى دولة تفريغ سكاني؟

قراءة واقعية في المخاوف من ترحيل المهجّرين والمجرمين ————— بقلم: د. مجدي الشارف الشبعاني …….. …