هل تشعر أحيانًا أنك تنجرف في دوامة لا نهاية لها من الفيديوهات القصيرة على تيك توك وإنستغرام، لتجد نفسك قد قضيت ساعات دون أن تشعر؟
هذا السيناريو المتكرر يثير تساؤلات جدية حول تأثير إدمان الإنترنت على صحتنا العقلية، لدرجة أن جامعة أكسفورد أعلنت مصطلح “تآكل الدماغ” كلمة العام 2024، في إشارة إلى التأثير السلبي للمحتوى الرقمي السطحي على قدراتنا العقلية.
هذه العادة التي باتت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية تدمر قدرتنا على الانخراط في تجارب معرفية عميقة، وتقلل من فعالية دماغنا في التفكير التحليلي. التكرار اليومي لهذه السلوكيات يضعف من قدرتنا على التركيز على المهام الطويلة، مثل القراءة أو حل المشكلات المعقدة، ليس هذا فحسب، بل يزداد القلق والتوتر نتيجة للإدمان على الأخبار السطحية والمقارنات الاجتماعية التي تغذيها منصات التواصل الاجتماعي.
التكنولوجيا وصحة قوانا العقلية: منظور عصبي
في هذا العصر الذي تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا واستهلاك المحتوى الرقمي، يوضح طبيب الأعصاب أحمد مجاهد، في تصريحات خاصة للموقع الصحفي المصري الشهير “المصري اليوم”، أن التأثيرات العصبية للتكنولوجيا الرقمية على الدماغ تتركز على التغيرات الفسيولوجية الناتجة عن الاستخدام المكثف للأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
يشير مجاهد إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تؤثر على مناطق الدماغ المسؤولة عن المكافأة والدوافع، ففي كل مرة نتلقى “إعجابًا” أو تعليقًا إيجابيًا على منشور، يفرز دماغنا مادة الدوبامين، وهو ناقل عصبي يرتبط بالشعور بالمتعة والمكافأة. هذا يشبه إلى حد كبير تأثير المخدرات أو القمار على الدماغ، حيث يعزز سلوك العودة للتفاعل مع هذه المنصات بشكل مستمر، مما قد يؤدي إلى الإدمان الرقمي وقضاء وقت طويل على الأجهزة الرقمية، ويقلل من قدرة الدماغ على التركيز على الأنشطة الأخرى.
ووفقًا لمجاهد، يمتد هذا التأثير ليشمل الذاكرة والتركيز، حيث يضعف قدرة الدماغ على الانتباه لفترات طويلة، فالمتابعة المستمرة للمحتوى السريع والقصير مثل التغريدات أو القصص على الإنترنت يحد من قدرة الدماغ على التركيز في المهام المعقدة.
كما أوضح أن هذا النمط الاستهلاكي يؤثر سلبًا على جودة النوم، ويسهم في زيادة معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين الشباب، مما يؤثر بشكل كبير على التوازن الكيميائي في الدماغ، بل ويساهم في تقليل الإفراز الطبيعي لمواد كيميائية مهمة مثل السيروتونين والدوبامين.
وعن مصطلح “تآكل الدماغ” الذي أعلنته جامعة أكسفورد، يؤكد طبيب المخ والأعصاب أنه ليس مجرد تشخيص تقني، بل هو نتيجة للإدمان المستمر على المحتوى الرقمي السطحي، مثل الفيديوهات القصيرة والمقاطع الترفيهية، مما يؤدي إلى تدهور القدرة على التركيز والتفكير النقدي. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا النوع من المحتوى يحد من قدرتنا على التركيز في مهام عميقة ويزيد من مستويات التوتر والقلق. ويختتم مجاهد حديثه بالقول إن “تآكل الدماغ لا يعني فقط تدهور الفكر، بل هو دعوة لنتوقف ونفكر في كيفية التعامل مع العصر الرقمي بحذر وعناية.”
دراسة: إدمان الإنترنت يغير كيمياء المخ لدى الشباب
تتفق هذه التصريحات مع دراسة نشرت في مجلة PLOS Mental Health، والتي استعرضت أبحاثًا سابقة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لفحص كيفية تفاعل مناطق الدماغ لدى الأشخاص الذين يعانون من إدمان الإنترنت. يشير الباحثون إلى أن التغييرات في الشبكات العصبية المتعددة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الميول الإدمانية والسلوكيات السلبية.
كيف نحمي عقولنا من التآكل الرقمي؟
الخطوة الأولى تكمن في الوعي بالضرر. فاستهلاكنا المتواصل للمحتوى السطحي يتسبب بالفعل في “تآكل الدماغ”، ولكن يمكننا استعادة السيطرة من خلال بعض الخطوات العملية:
النظام الغذائي العقلي: تمامًا كما نحرص على التغذية الجسدية، يجب أن نختار المحتوى الذي نستهلكه بعناية. تعلم كيفية تصفية الحسابات والمحتوى الذي يستهلك طاقتنا دون فائدة.
التوازن الرقمي: قلل وقت الشاشة وخصص فترات زمنية للتركيز على أنشطة تتيح لنا التفكير العميق، مثل القراءة أو الكتابة.
إيقاف الإدمان الرقمي: حدد أوقاتًا محددة للاستخدام الخاضع للرقابة لتجنب الغرق في دوامة السطحية.