منصة الصباح

فَرَضُوا الإيدَاع… بِلَا إِقْنَاع

منذ فترة قرر مصرف ليبيا المركزي سحب الإصدارين (الأول والثاني) من فئة الخمسين ديناراً، وحدد تاريخ 30 أبريل الجاري كمهلة نهائية للإيداع، لكنه للأسف لم يحدد أين يقف المواطن من هذا القرار؟، ولم يحدد أيضاً كيف ستكون تبعات هذا السحب على اقتصاد البلاد التي تعاني أصلًا من هشاشة نقدية وعجز مالي متزايد… وقبل هذا وذاك من ضعف ثقة المواطن في المؤسسات المعنية بالسياسة النقدية. 

‎ السؤال الاقتصادي الذي لا بد من طرحه: هل السياسة النقدية تنجح دون قاعدة مجتمعية واعية تدعم خطواتها؟ العلم والواقع والعقل والمنطق جميعها تجيب: بـ لا؛ لأن العملة لا تتداول في خزائن المصارف، بل في جيوب الناس وأيدي التجار والمزارعين والحرفيين، وكل من يستيقظ صباحاً بحثاً عن عيشه اليومي.

‎ ما كان يتم في القاعات المغلقة، كان يجب أن يفتح للنقاش العام، والمصرف المركزي كان لزاماً عليه أن يوضح للشعب – لا أن يوجهه فقط – لماذا يتم سحب هذه الفئة بالتحديد؟، وما مدى خطورة استمرار تداولها؟، سواء من حيث استخدامها في الاقتصاد غير الرسمي، أو في التزوير، أو في تبييض الأموال… لماذا لا يعي المؤتمن على خزائن مال الليبيين أن المواطن ليس خصماً في المعركة النقدية بل هو الجندي الأول في صف الدفاع عن استقرار العملة، وحماية الاقتصاد الوطني من العبث والفوضى.

‎ إن تجاهل توعية الليبيين وإقناعهم بخطورة عدم إيداع هذه الفئة قد يؤدي إلى نتائج كارثية، منها سحب السيولة من السوق بشكل مفاجئ، ما يزيد من حالة الركود، ويعمق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية، والأسوأ من ذلك أن الامتناع عن الإيداع سيبقي كميات كبيرة من الكتلة النقدية خارج الدورة المصرفية، ما يفاقم التضخم النقدي، ويعزز السوق الموازية، ويعيق أدوات السياسة النقدية في تحقيق الاستقرار المنشود.

‎ وفي ظل تفاقم الدين العام، وعدم قدرة الحكومة على تغطية التزاماتها التشغيلية والاستثمارية، فإن هذا النوع من الاختناقات النقدية قد يدفع الدولة نحو خيارات شديدة الخطورة، مثل اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، سواء من البنك الدولي أو مؤسسات مالية أخرى. وهذا المسار –وإن بدا مغرياً على المدى القصير – إلا أنه يحمل الأجيال القادمة أعباء مالية وفوائد لا ترحم، ويقيد استقلالية القرار الاقتصادي السيادي.

‎ باختصار، إن قرار سحب العملة كان يجب أن يترافق مع حملات توعية اقتصادية شاملة ومكثفة، لا بمجرد منشورات وقرارات تنشز على الفيسبوك أو بيانات تقليدية، بل بخطاب مباشر، عبر وسائل الإعلام، وفي ملتقيات وندوات، وعبر مؤسسات المجتمع المدني، يشرح للناس أن هذه ليست مجرد ورقة نقدية تسحب، بل خطوة في إعادة بناء الثقة النقدية، وتثبيت أركان الاستقرار الاقتصادي للدولة الليبية.

‎ يجب أن يعي المسؤولون أن المواطن الليبي ليس عدواً للمؤسسات المالية وسياساتها، بل هو ضحية لسوء التواصل، وإن لم نؤمن بشراكته الكاملة، فسنظل نتخذ قرارات نقدية… لا تساوي قيمتها بعد التنفيذ ثمن الحبر الذي كتبت به

د. علي عاشور 

شاهد أيضاً

الاتفاقية الدولية لمكافحة الأوبئة

بعد مفاوضات مكثفة ومضنية وشاقة استمرت لأكثر من 3 سنوات متواصلة توصلت الدول الأعضاء في …