منصة الصباح

بَلَدِي زلِيتَنْ وَامْتِحَانُ العُمْرِ

منذ سنوات ومدينة زليتن تعيش معاناة لا يجب أن تستمر، معاناة فرضها ارتفاع منسوب المياه الجوفية حتى تحولت البيوت العامرة إلى أطلال غارقة، وغادر أهلها على عجل بحثاً عن مأوى بديل.

عشرات الأسر أجبرت على ترك مساكنها، ومئات المواطنين وجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما حنظل: البقاء في بيوت غمرتها المياه أو الخروج نحو المجهول…. إنها مأساة إنسانية قبل أن تكون مشكلة خدمية.

لقد استغاث المتضررون عبر وسائل الإعلام، فأصبحت القضية شأناً عاماً يتداوله القاصي والداني، وتدخلت الجهات المعنية، استدعت الخبراء، صرفت تعويضات لاستئجار مساكن بديلة، وحاول المجلس البلدي السابق معالجة الكارثة عبر مد أنابيب لتصريف المياه نحو البحر، وردم مساحات واسعة… غير أن كل تلك المحاولات لم تتجاوز حدود المسكنات، فالأزمة لم تُحل، والمياه ما زالت تواصل صعودها بلا هوادة.

نحن اليوم في قلب الصيف، حيث لا أمطار ولا سيول، ومع ذلك ما زالت المياه تتدفق على بعد مترين من مستوى سطح الأرض، فكيف سيكون الحال بعد أسابيع قليلة حين يطرق الشتاء الأبواب؟ كيف ستصمد المناطق التي أنهكها الغرق أمام أمطار موسمية في الغالب ما تكون غزيرة؟، لهذا فالقادم ينذر بما هو أعظم إن لم تتخذ إجراءات عاجلة وجادة.

المجلس البلدي الجديد أمام اختبار تاريخي، فهذا الملف لا يحتمل التأجيل ولا التسويف، ولا يصلح معه خطاب التطمين أو الوعود الانتخابية، فهو ملف يمس حياة الناس، استقرارهم، أمنهم الاجتماعي وحتى النفسي، واقتصاد المدينة بأكمله، لهذا فإن نجاح المجلس في مواجهته سيسجل له كإنجاز استثنائي، قد يخلده في ذاكرة زليتن لسنوات طويلة، أما الفشل أو الإهمال فسيكون وصمة عار لا تُمحى.

المطلوب أن يبدأ المجلس البلدي عمله من حيث انتهى المجلس السابق، دون إلغاء أو تنكر للجهود التي بذلت، المطلوب أن تفتح الأبواب أمام الخبراء والمهندسين والمتخصصين، وأن تعقد ورش عمل وجلسات علمية تجمع الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني وأهل الخبرة. المطلوب أن يكون هناك تواصل جاد مع الجهات العليا، أن يكون هناك دبلوماسية قوية من أجل الحصول على الدعم المالي والفني اللازم، لأن هذه الكارثة أكبر من أن تُحل بجهود بلدية محلية فقط.

رسالتي لإعلام المدينة، إذاعة وإعلاميون ومدونون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بدورهم أمام مسؤولية جسيمة، المطلوب منهم أن يكونوا عين الناس ولسانهم، أن يواكبوا الأزمة بمهنية ووعي، وأن يضغطوا على صانعي القرار من أجل التحرك السريع والمدروس، وأن يعوا جيداً أن الإعلام ليس أداة للتخويف ولا ساحة للشائعات، بل وسيلة لتعبئة الجهود وتوجيه الرأي العام نحو الحلول لا نحو الهلع.

مجلسنا المقر… زليتن لا تملك رفاهية الانتظار، الشتاء قادم بسرعة، والمياه تواصل صعودها بلا رحمة، إذا لم تتحرك الآن، فقد تجد نفسك بعد أشهر قليلة أمام مناطق أخرى غارقة يصعب إنقاذها، وواقع أشد قسوة من أن يدار بالتصريحات أو يغطى بالوعود. إنها ساعة الحقيقة، فإما أن يتحرك الجميع اليوم، أو يكتب التاريخ أن زليتن تركت لتغرق أمام أعين أبنائها ومسؤوليها.

د. على عاشور

شاهد أيضاً

عبدالرزاق الداهش

تيتيه يا تاتك”!

عبدالرزاق الداهش هل يمكن تنظيم انتخابات رئاسية ناجحة في ليبيا بعد عام، أو حتى خمسة؟ …