منصة الصباح

كونشيرتو بن شتوان

كونشيرتو بن شتوان

جمعة بوكليب

زايد..ناقص

قبل ” كونشيرتو قورينا إدواردو” قرأتُ للروائية نجوى بن شتوان روايتها” زرايب العبيد”، لدى ظهورها ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية ” البوكر“، في دورتها العاشرة لعام 2017. وتعجبت كثيراً لدى اختيارها من قبل لجنة التحكيم لتكون في القائمة القصيرة. ذلك أن الرواية، في رأيي، لم تكن بالمستوى الفنّي الذي يؤهلها لتلك المكانة. وبالطبع، قد لا يوافقني في ذلك كثيرون. لكني، وليعذرني أولئك، لم أغير موقفي من تلك الرواية. وهذا لا يعني أن الرواية غير جيدة. نحن هنا نتحدث عن مسابقة كبرى لأفضل الروايات العربية. ورغم مرور السنوات، لم أصرّح بذلك الراي، واعتبرته أمراً يخصني ويتعلق بذائقتي الأدبية.

وفي الأيام الماضية، قرأتُ روايتها الأخيرة “كونشيرتو قورينا أدواردو” ثم تبعتها مباشرة بقراءة رواية الروائي العُماني زهران القاسمي المعنونة” تغريبة القافر”. وتعجبت من عدم حصول رواية نجوى بن شتوان على الترتيب الأول، أو على الأقل الأول مكرر. ذلك أن نجوى في روايتها الأخيرة تختلف كثيراً جداً كروائية عن تجربتها في زرايب العبيد.

ورغم اختلاف أجواء رواية بن شتوان عن رواية القاسمي، إلا أن بن شتوان بدأت لي متفوقة كثيراً عنه في سردها الروائي، وبشكل ملحوظ. وفي ذات الوقت، فإن هذا لا ينقص من قيمة رواية زهران القاسمي الفائزة، أو يحط من قدره وقيمته كروائي جيد. قدم لنا عملاً روائياً متميزاً، يستحق القراءة.

كزنشيرتو بن شتوان عمل روائي مميز. كتب بعناية وحرفية، وبلغة سردية تذوب في الريق، من فرط عذوبتها. وتمكنت الكاتبة من السير بمهارة، كلاعب سيرك محترف، على خط نحيل، يفصل بين السيرة الذاتية والرواية، أو بين السيرة الذاتية والرواية التاريخية. وما أعنيه أن التاريخ حاضر وبقوة، والكاتبة اختارت بوضوح موقفها مما كان يحدث في ليبيا، خلال الاربعين عاما من حكم النظام العسكري. ذلك الموقف المعني تبدى من خلال سرد روائي جميل تتبع ورصد تفاصيل حياة عائلة ليبية ميسورة، فقدت أملاكها في عام 1978، وعاشت في خضم الاحداث وتطوراتها، متنقلة بين مدينتي بنغازي وسوسه. وأستطاعت بسرد مقنع فنّياً أن تعيدنا معها إلى واحدة من أحلك فترات ليبيا سياسياً واقتصادياً، وأنجوت ذلك من خلال عيني ومشاعر وأحاسيس وعلاقات بنت ليبية صغيرة، مصابة بالتأتأة، من أصول شركسية وقريتليه. وفتحت لنا الباب، لندخل معها عالم ” القريتليه” غير المعروف لنا في مدينة سوسه. تلك الفئة من الليبيين الذين يعودون باصولهم إلى جزيرة كريت اليونانية، وعاشوا في ذلك الجيب الساحلي الليبي المقابل للجزيرة، التي أنحدر منها أجدادهم، وحافظوا على تقاليدهم وعاداتهم الكريتية.

والحقيقة أنني قرأت الرواية في جلستين فقط. وأعترف أنها استغرقتني وأمتعتني، ولم أشعر بضجر أو تعب. وأنبهرت بما أحرزته نجوى بن شتوان من تقدم في مسيرتها الروائية، وتمكنها، في فترة قصيرة زمنياً من أنضاج أدواتها الفنية، والسيطرة عليها بشكل واضح، ولمن لا يتفق معي في هذا الراي، اوصيه بقراءة رواية زرايب العبيد أولاً ثم قراءة كونشيرتو قورينا إدواردو لكي يرى الفارق في تطور أسلوب السرد لدى الكاتبة. وهو أنجاز أهنئها، وأغبطها عليه.

لن ألوم لجنة التحكيم التي منحت الجائزة الأولى للروائي العماني، وحرمت منها نجوى بن شتوان. لاني لا علم لي بالآلية التي تعمل بها تلك اللجنة. لكني شعرت، بعد قراءة الروايتين، بأن اللجنة أغمضت نجوى حقها في نيل الجائزة الأولى. وهذا لا يمنعنا من الاحتفاء بنجوى بن شتوان كروائية ليبية عربية بمستوى فنّي راق.

شاهد أيضاً

الابتزاز الإلكتروني ضد المرأة بين الواقع والمأمول

بقلم: آمنة الهشيك – أستاذة قانون تعد وسائل التواصل الاجتماعي أو الشبكات أحد أهم المكونات …