محمود السوكني
الخوف من سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم في الوطن العربي يشغل بال الكثير من الليبراليين، ويلتقوا في ذلك مع الغرب وحكوماته التي يزعجها فوز التيار الإسلامي في الدول العربية على الأخص، والدول النامية على وجه العموم، وينسى هؤلاء جميعاً بما فيهم دعاة التحرر وأنصار منظمات المجتمع المدني من شعوب هذه الدول.
إن التيار الإسلامي ليس دخيلاً على هذه البلدان، إذ أنه الدين الرسمي لها حتى وإن كانت هناك ديانات أخرى يتبعها نفر قليل هنا أو هناك، ولكنها تظل قليلة العدد مقارنة بأتباع الدين الإسلامي، فمصر مثلا وهي أكثر الدول العربية عدداً لا يتجاوز مسيحيوها حاجز الخمسة عشر مليوناً في أفضل تقدير، فيما المسلمون يتجاوزون حاجز الثمانين مليوناً، فكيف للأقلية حتى وإن اجتمعت على بكرة أبيها أن يتغلب تيارها الديني على الأكثرية الطاغية؟!
هذا الخوف اللا مبرر قد يكون مقبولاً من دول الغرب المعروفة مواقفهم الثابتة من الإسلام وأتباعه، وحرصهم الدائم على تشويهه والإساءة لتاريخه وإلصاق التهم بل وتلفيقها أحيانا لمحاربته ومنع انتشاره، أما أن ينساق أبناء الأمة العربية إلى هذا المنزلق ويسوقون للدعاية المغرضة التي يشنها الغرب ضد الإسلام وأتباع الديانة المحمدية، فذاك مالا يجوز ولا يعقل ولا يقبل حتى في سياق حرية الرأي التي لا يمكن أن تكون ذريعة للخوض في الثوابت التي لا يجوز الخلاف عليها أو حتى مناقشتها.
المثير في الأمر، أن ينتشر هذا (الوباء) بين صفوفنا هنا في ليبيا، ويكثر الحديث حول السيطرة المتوقعة للتيار الإسلامي فيما إذا انفرجت الأزمة وأدركنا حلم الانتخابات، ورغم أننا بعد لم نعتمد النشاط السياحي مصدراً مهماً للدخل الوطني، ولا توجد على أرضنا أي مظاهر نخشى عليها من الإزالة أو القفل كالحانات أو الملاهي الليلية أو المراقص أو ماشابه، إلا أن الجميع يتخوف من أسلمة الحكم في ليبيا، وكأن الإسلام يغزونا للمرة الأولى، أو أن نواهيه وأوامره لا عهد لنا بها، أو كأننا (ولا مؤاخذة) منغمسون في الرذيلة حتى النخاع ونخشى أن يحاربنا هؤلاء الحكام الإسلاميون في شهواتنا ويمنعون عنّا ممارسة حياتنا كما نشتهي !!
يجب أن يكون واضحا أن الإسلام الذي نخشى سيطرته على مجريات الأمور في حياتنا اليومية هو في الأساس العقيدة التي ندين بها جميعاً وهو الصراط الذي اعتنقناه واتخدناه مذهباً ومسلكاً لا نحيد عنه ولا نرضى سواه.
سيخرج علينا من يقول أن التيار الإسلامي سيحدّ من الحريات ويمنعنا من مواكبة العصر واستخدام تقنياته ومتابعة علومه، وسيفرض علينا شروطه المتخلفة من حجاب ونقاب إلى منع الاختلاط والاعتكاف في البيت صوناً للعرض أو في المسجد تقربا لله !!
سيقولون أن هؤلاء الظلاميين سيعيدون نظام الخلافة ويكرسون عبادة الفرد/الإمام ويحكمون بإغلاق منافذ المعرفة وإعمال العقل !!
سيقولون ذلك وأكثر وفي الأفق تلوح التجربة الأفغانية وما صاحبها من قتامة وما رافقها من بشاعة وانحدار في الشأن الإنساني، ويفوتهم أن العالم الإسلامي وشيوخه وعلمائه ورموزه ومناراته شجبوا تلك التصرفات واستنكروا مايقوم به الطالبانيون من إساءة بالغة للدين الإسلامي الذي يحض على المعرفة ويشجع على التعلم ويدعو إلى الانفتاح على العلوم الإنسانية والاستفادة من فتوحاتها.
تأخذهم الحماسة، فينسوا طبيعة المجتمع الليبي الذي وإن كان أفراده يتمسكون بدينهم ويحرصون على ممارسة شعائره، لكنهم في المقابل منفتحون على الآخر، مقبلون على الحياة يأخذون من مباهجها دون إسراف ويصيبون من معارفها كلما تمكنوا من ذلك واستطاعوا إليها سبيل.
الشعب الليبي تجاوز مرحلة الفطام منذ زمن طويل، وهو قادر على التمييز، ويملك القدرة على اختيار الأفضل، ولازال الوقت في صالحه، وكل هذا يصب في مصلحته حيث يمكن له أن يحدد وجهته وفق اختياراته.
أما الغلاة والمتطرفون الذين يسعون لتسييس الدين واتخاذه مطية للحكم إرضاءً لشهوة التسلط لا حبا في أعلاء كلمة الله، فإنهم حتماً خاسرون وننصحهم بإعادة حساباتهم.