منصة الصباح

سنة أولى«طوفان».. الدرس الفلسطيني

بشير زعبيه

أحيت المقاومة الفلسطينية الذكرى الأولى لعملية «طوفان الأقصى» بقصف تل أبيب بخمسة صواريخ في رسالة واضحة مختصرها أنها مستمرة، وما زالت ذرعها طويلة، وقادرة على إيذاء العدو في أهم مراكزه، وأكثرها حيوية، على الرغم من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي مستهدفا البشر والحجر، والشجر، في قطاع غزة مربض المقاومة الفلسطينية على امتداد 365 يوما دون انقطاع، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني، وسقوط حوالي ضعفيها جرحى غير آلاف المفقودين، والمدفونين تحت الأنقاض.

دمر الاحتلال مستغلا تفوقه وتسيده الجوي قرابة الـ80% من مساكن القطاع وبنيته التحتية، ومؤسساته التعليمية، ومنشآته الصحية، وطرقه، ومزارعه، وشملت حربه التدميرية غير المسبوقة في المنطقة تهجير سكان القطاع، وتجويعهم، بحرمانهم من الماء، والغذاء، والدواء، والكهرباء امتدادا لحصار شامل تجاوز الـ16 سنة حول القطاع خلالها إلى ما يشبه القفص.

وخلال عام من المواجهة غير المتكافئة نوعيا، وعدديا يمكن استخلاص الدرس الحقيقي الذي قدمه الفلسطيني، ومازال يقدمه، وهو أن ميزان القوة في هكذا حالات ليس بالضرورة إخضاعة لمعيار التفوق المادي، والعددي، أو العسكري عموما وحده، بل هو يكمن في قوة الإرادة والإيمان بالقضية، والاستعداد للتضحية، هذا ما يحقق التوازن الاستراتيجي الميداني مع العدو، ويربكه.. لقد كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد يطلق عبارة شهيرة كلما سئل عن مسألة الحرب مع الإسرائيلي وهي «لا بد من تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو أولا » ومات الرئيس الأسد دون أن يكتب لهذا التوازن أن تحقق ! وحدث في سوريا من بعده ما أطاح بأي أمل في تحقيقه.

في حرب يونيو 1967 لم تحتج«إسرائيل» لأكثر من ستة أيام لتهزم جيوش ثلاث دول عربية، وتحتل مساحات واسعة من أراضيها، واليوم وعلى امتداد عام تغوص في وحل قطاع لا تتخطى مساحته الـ 360كم2 وهي تخوض أطول حروبها منذ اغتصابها فلسطين العام 1948،حرب حشدت لها مئات الآلاف من الجنود، وأحدث أنواع العتاد من الدبابات المتطورة، والطائرات الحربية الحديثة، ووسائل الذكاء الاصطناعي، المسنود بتكنولوجيا الأقمارالصناعية الأميركية، والأوروبية، ومراكز التنصت الكبرى في المنطقة، واستخدام قنابل الفتك الشامل التي تنتجها مجمعات تصنيع السلاح الأمريكية، وصب أكثرها فتكا على القطاع دون أن تفلح في تحقيق أهدافها التي عنونت بها هذه الحرب، وعلى رأسها القضاء على حركة المقاومة التي تختزلها في «حماس»، واسترجاع رهائنها، وأسراها الذين تحتجزهم الحركة، واسترداد هيبة جيشها الذي أهين في عملية «طوفان الأقصى»، فيما تمكنت المقاومة بالمقابل من نقل المعركة إلى داخل حدود «إسرائيل»، وإجبار الاف الإسرائيليين على النزوح والبقاء في الملاجئ، وهي التي تعودت أن تخوض حروبها في المنطقة، وتحسمها سريعا لصالحها خارج تلك الحدود.. نعم الخسائر باهضة بين صفوف المدنيين من سكان غزة، لكن خسائر جيش الاحتلال باهضة أيضا، وربما هذه هي المرة الأولى في تاريخ حروبه مع الجيوش العربية التي يتكبد فيها مثل هذه الخسائر اليومية بين ضباطه، وجنوده، غير موجات السخط العارمة التي شهدتها عديد العواصم و المدن في العالم، خصوصا ماتعلق بكبريات جامعات، من أميركا إلى أوروبا، فيما اعتبر انقلابا في توجهات الرأي العام الذي كان لعقود خاضعة للدعاية الإعلامية الإسرائيلية التي كانت تصور «إسرائيل» واحة الديمقراطية، والحمل الوديع المحاط ببيئة متوحشة، وأصبحت هذه الـ«إسرائيل» متهما رئيسا بارتكاب ما يرتقي إلى مستوى حرب التطهير العرقي، والإبادة الجماعية في المحافل القضائية الدولية، من محكمة العدل الدولية، إلة محكمة الجنايات الدولية، وقبل هذا نجحت المقاومة الفلسطينة في استرجاع أولوية الإهتمام الدولي، والأممي بقضية الشعب الفلسطيني كقضية محورية مؤثرة على حاضر ومستقبل السلام في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كاد يجرفها قطار التطبيع، ويراكمها في خانة القضايا المنسية.
..
أعود لأقول إن ما يجري هو صراع إرادات، تتجلى فيه قدرة الشعوب على الصمود، والمقاومة، وإن لم يكن لدي منذ بدء الحرب على غزة وهما بأن فصيلا فلسطينيا ما – حماس أو غيرها- يمكن أن يهزم وحده «إسرائيل» عسكريا، في هذه الحرب وينهيها بإعلان تحرير فلسطين، لكن يقيني الراسخ أن خيار المقاومة هو العامل المؤثر في مسار معركة الشعب الفلسطيني من أجل تحرير بلاده، وهو الخيار الذي جعل قضيته حية منذ نكبة العام 1948، وكأن فلسطين قد احتلت أمس، وليس قبل 75 سنة، وبفعل المقاومة أيضا لم يخرج الإسرائيليون من حالة الحرب طوال أكثر من سبعة عقود..

أما الأصوات التي ظهرت تنتقد فعل المقاومة بحجة عدم تكافؤ القوة، والتخوف مما يصفونه بـ«الخسائر الكارثية» فما الذي كانواينتظرونه من الفلسطيني إزاء سياسة الحصار،القتل الفردي، والجماعي، والقمع، والاستيطان، والتوسع، وتدمير البيوت، واجتياح المخيمات، على الرغم من كل التنازلات التي قدمها الفلسطينيون من أجل سلام موهوم، فقد اعترفت سلطتهم بـ«إسرائيل» وأسقطت بند «الكفاح المسلح هو الطريق لتحرير فلسطين»، من ميثاق منظمة التحرير، وتفاوضت بشكل مباشر مع الإسرائيليين، ووقعت معهم على اتفاق أوسلو….إلخ، ولم يقدم الإسرائيل بالمقابل، سوى مزيد العدوان، وتوسيع الاحتلال، ولم يلتزموا بأي اتفاق وقعوا عليه مع الطرف الفلسطيني، ورفضوا تنفيذ أكثر من 50 قرار دولي بشأن فلسطين، وحاصروا رئيسها الراحل، ياسر عرفات حتى الموت، وفرضوا أبشع، وأطول حصار شامل على قطاع غزة بسكانه الذين يناهزون مليوني نسمة، وارتكبوا سلسلة من المجازر راح ضحيتها الآلاف من سكان القطاع بينهم مئات النساء، والأطفال، واغتالوا صفوة من رجال المقاومة، وأسروا الآلاف من أبناء فلسطين، تجاوزت مدة أسر بعضهم الأربعة عقود، وفرضوا أسلوب التفاوض من أجل التفاوض للعب على عامل الوقت بهدف توسيع عملية بناء المستوطنات لتستوعب مزيد المهاجرين اليهود، فماذا تركوا للفلسطيني من خيارات، سوى خيار الصمود والمقاومة، والتمسك بالحقوق؟ والذين يخطّئون المقاومة الفلسطينية، ويتهمونها بإيجاد المبررات للعدوان الإسرائيلي، يدركون دون شك أن الإسرائيلي المشحون بالخرافة والمفاهيم الدينية المتطرفة القائمة على وهم العرق الأسمى، وشعب الله المختار، وفي معتقده أن «العربي الميت أفضل من العربي الحي»، ليس في حاجة إلى مبررات لحروبه، وكانت غزّة في كثير من الحالات هدفا، منذ التصريح الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين حين قال:«أتمنى أن أصحو يوما من النوم فأجد غزّة قد ابتلعها البحر»، لكن غزة لم يبتلعها البحر، بل ظلت صامدة، ومركز إنتاج لحركة المقاومة على الرغم من سلسلة الحروب التي شنها ضدها جيش الاحتلال الإسرائيلي تحت مسميات، وعناوين متعددة.

شاهد أيضاً

أبو جناح يوجه بتوفير المتطلبات الصحية لأهالي بلدية العواتة

الصباح أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة رمضان أبوجناح، حرص الوزارة على تقديم الدعم …