منصة الصباح
بسام مصطفى عيشة

“ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد؟”

بقلم/ بسام مصطفى عيشة

في غزة، تغيب الشمس على أصوات القصف وتصبح اللحظات الأخيرة كل ما تبقّى للعائلات من أحبّتِهم الذين رحلوا.

استوقفني موضوع منشور على موقع بي بي سي نيوز عربي، نقلته بدورها عن الرّدود التي وردت إلى الصحفية الفلسطينية وعد أبو زاهر حول سؤالٍ طرحته عبر حسابها على فيسبوك: “ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد؟”،

سؤال يحمل في طياته ثقل الفقد كله، وكانت الإجابات بمثابة سجل توثيقي لمن فقد أحبة أو أقارب أو أصدقاء في الحرب.

وحين قرأته، أدركت كم أنّ هذا الشّعب هو بالفعل “شعب العمالقة والجبّارين”، رغم كلّ ما ذاقه من قهرٍ وظلمٍ وتقتيلٍ وتجويعٍ، إلاّ أنّه لم يرفع راية الاستسلام، ولم يخنع أو يخضع أو يركع، يحمل آلامه طيّ أماله، ويمضي ليقاوم بجسدٍ أنهكه الجوع

وأثخنته الجراح، وخنوعِ “ذوي القربى”، ورغم ذلك ما زال يحلم بغدٍ أفضل على أرضه أو في علياء سمائه.. غير عابئٍ بعدالة دوليّة فقدت بصرها وبصيرتها، بعد أن أوكل أمره بعد عدالة السّماء إلى عدالة المقاومة..

وحين تقرؤون الجمل القادمة لا تخجلوا حين تذرفون دمعة أو أكثر، فربّما هي تعبير أنّنا ما زلنا بشرًا ونملك بعضًا من ذرّات “الخجل” وربّما “التضّامن.. دمعًا”!!

ولكنّني أعيد نشرها عامدًا متعمّدًا كي تبقى كلمات من رحلوا عن أحبّتهم “تنهش رأسي ورؤوسكم” علّها “تُحدث في عقلي وعقولكم ضجيجًا لا يهدأ” حتّى نملأ الكون ضجيجًا علّنا نوقظه من ” سباته العميق”.

“تنسيش تكتبي عنّي دائماً. تنسينيش. بديش أكون رقم”. آخر كلمات أخو يافا محمّد، خوفٌ له ما يبرّره “فهم” مجرّد أرقام ٍعابرة في نشرات أخبارنا، نطالعها أو نسمعها ونحن “نلوك أخبار يومنا التّافه” أو نحتسي الشّاي أو البيّرة أو “آخر رشفة من كرامتنا”!!

(في زمان الصمت تغدو الجلجلة ؟؟، صورة للقصف في أرض الرباط المهملة، صورة للظلم في عصرٍ يجيد العرقلة، يقتل الطفل ويستطعم جرح الأرملة؟؟ – الشاعر عبد الرحمن العشماوي )

“تقلقيش، محدش بيموت ناقص عمر. لما نلتقي بعوضك عن كل هاي الأيام، اللّي بيسبق فينا الثاني بيستنى عند الزيتونة اللّي ورا وادي العسل. المهم عرفتي المكان؟ أنا رح أسبقك وأستناكي هناك”.

إيمانٌ راسخٌ بأنّ “الجنّة” هي فلسطين، وبأنّ اللّقاء القادم ولو بعد أجلٍ سيكون “عند الزّيتونة اللي ورا وادي العسل”.

“آية، انتبهي على حالك وع الأولاد، وكّلي أمرك لربنا وكل واحد بياخذ نصيبه، حاولي تتجاهلي خوفك، ما حد بياخذ عمر غيره يا حبيبتي، والله ما حد بيرفع الموت عنّا، خلص استوعبي ما تضلّك خايفة كل شوي هيك، وما تقلقي”.

“أولادك معك وسندك. ضلك قوية، الدنيا ما بدها غير القوي”.

آخر كلماتِ أبي كنان لزوجته اختصرت الحبّ والدّعوة إلى التغلّب على الخوف بالاتّكال على “الذّات البشريّة” و”الذّات الإلهيّة”..

فوحدكم من يواجه “المخرز بعيونهم”، فنحن “ذوي قرباكم” مشغولون بسكب “الرّاح” في “أقداح” “أقوياء” يشربون نخب “الأرواح”

التي تُذبح على حائط المبكى، قربانًا لبناء “معبد إبراهيم”!! (يا أمة بات الرجال نساؤها والأُسد فيها أُبدِلوا أذنابا – الشّاعرة الرّاحلة منال درويش ).

“أحلى إشي في الجنة فش تعباية مية!”، آخر كلماتِ طفلٍ بقي البعضٌ منه يصلح للتكفين والدّفن، والباقي تطاير مع ذرّات “طحين” مساعدات “الموت”..

تخيّلوا حلمٌ صغير بحجم مأساةٍ طالت سبعًا وسبعين عامًا، أن يرتاح جسده النّحيل من همِّ “تعباية الميّة”!!

“شو أول شغلة حتطلبها من ربّنا أول ما تشوفه”، سأل الطّفل بلال صديقه جود، ولم تتح الفرصة له ليسمع الجواب لأنّ قنبلة ألقتها “زنّانة” كانت تحوم فوق خيمتهم كانت قد مزّقتهما معًا، لتبقى الإجابة “مبنية على المجهول” لما هو “معلوم”!!

“والله بنسأل حالنا كل يوم، لسّا الناس عارفين انّه في تقريباً 160 شهيدًا يومياً؟ 1000 شهيد أسبوعياً؟”، تلك كانت رسالة هيثم النباهين الأخيرة لصديقه خير الدين.

معك حقّ.. في زمان الذلّ تشكو الأسئلة ؟؟، من إجابات الخضوع المذهلة، وانكسارات الرجال المخجلة، وبقاء الحل وهماً في خيال المشكلة؟؟، في زمان الذل تبدو المعضلة؟؟ (الشّاعر عبد الرحمن العشماوي).. معك حقٌّ..

ايُسأل هذا السّؤال؟ سؤال “الخيبة” في زمن “النّكبة” الثّانيّة، فعدّاد ضحايا “جرائم الحرب والإبادة” لم يكلّ بعد، طالما الكيل “بمكيالين” مازال هو “الشّرعة” الدّوليّة، وطالما أن “الملل” لم يصبنا بعد ونحن نتابع “بحماسٍ” انتصاراتنا في “مونديال الأندية”، والتي سـتـ”فتح” طريق انتصاراتنا وتعبده لضمان نجاحنا في استضافة كأس العالم لكرة القدم للمرّة الثّانية!!

(يا غصةً بالحلق تعلن ثأرها والكلب يدعو جهدنا إرهابا، هيهات يا من تستغل دماءنا تدعو الشهيدَ بقاتلٍ مغتابا، يا أمة المليارِ هل من رجفةٍ تحيي الضمير وتشعل الألبابا، وتخوض بحراً من ظلامٍ دامسٍ تمضى بأنحاء الظلامِ شهابا، تقضي على الوجع المسجَّى بيننا – الشاعرة الرّاحلة منال درويش).

ويا لله “حطوا إيديكم بميِّ باردة”، “ما يصح إلاّ الصّحيح”!!

شاهد أيضاً

الفنان القدير رافع نجم في ذمة الله

الفنان القدير رافع نجم في ذمة الله

تنعى منصة الصباح الالكترونية الفنان القدير رافع نجم مدير المسرح الشعبي بنغازي الذي افاه الاجل …