منصة الصباح
علي الدلالي
علي الدلالي

بداية الانهيار

بالحبر السري
علي الدلالي

يبدو أن حكومة الكيان الإسرائيلي اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، المدعومة أمريكيا وغربيا ستنزل، إن آجلا أم عاجلا، إن لم تكن نزلت بالفعل، عن الشجرة، والقبول بواقع الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب الوحشية التي شنتها على قطاع غزة، وأبرزها “تصفية حركة حماس وتحرير الأسرى”.
عندما نقرأ لكاتب إسرائيلي يؤكد في صحيفة (يديعوت أحرنوت) العبرية أن الوقت قد حان ليتقبل “الجيش الإسرائيلي” النتائج المحدودة للحرب فإن ذلك يؤكد أن العنتريات التي عبر عنها قادة الكيان الإسرائيلي من السياسيين والعسكريين في أحاديثهم لوسائل الإعلام، على رأسهم، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، عن اجتثاث حماس وتحرير الأسرى، ليست سوى أحلام يقظة ومحاولة للحد من حالة الارتباك والفوضى غير المسبوقة التي غرقت فيها دولة الاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.
ورأى الكاتب الصحافي المعروف، ناحوم برنياع، في مقالة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أثارت موجة من التساؤلات في الشارع الإسرائيلي تحت عنوان “التعايش مع الخسارة”، أنه “بعد حوالي 100 يوم على الإخفاق والخراب في غزة بات الوضع مفهوما جيدا لدى قيادة الجيش الإسرائيلي”.
ويذهب برنياع إلى أبعد من ذلك، ليشرح ما أسماه بـ ” الوضع المفهوم جيدا”، من خلال طرح السؤال المسكوت عنه وهو كيف “يُرقع نتنياهو ووزراؤه الفجوة بين التوقعات غير المسؤولة التي خلقوها والقرارات القاسية التي يقفون أمامها”، أي ببساطة القبول بالواقع الذي فرضته فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام في الميدان، والنزول عن الشجرة و”التعايش مع الخسارة”.
فاتورة هذه الحرب الوحشية، حرب الإبادة الجماعية، ثقيلة وموجعة حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة ارتفاع عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع في اليوم 102 لها، أمس الأول الثلاثاء، إلى 24 ألفا و285 شهيد و61 ألفا و154 مصاب، 70 في المائة منهم من النساء والأطفال، في حين لا زال ضحايا قد يكونوا بالآلاف تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال وإطلاق النار على كل شيء يتحرك، ناهيك عن تدمير واسع للمباني والبنى التحتية في القطاع ونزوح أكثر من 85 بالمائة من سكانه خلال 3 أشهر، أي ما يعادل 1.9 ملايين شخص، وفق بيانات صادرة عن السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة، غير أن هذه الدماء وهذه المعاناة غير المسبوقة لم تذهب سدى، إذ أحدثت المقاومة الفلسطينية للمرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حالة إرباك غير مسبوقة في الدولة العبرية كما في الشارع الإسرائيلي وجعلت قيادات هذا الكيان العنصري الإرهابي الذين كانوا يخرجون من كل الحروب السابقة مع الدول العربية أكثر قوة، يخشون اليوم في سابقة هي الأولى، على مستقبل حياتهم السياسية والعسكرية.
وبالفعل تمكن فصيل فلسطيني مقاوم أن يكون هو الحكم في الصراع الداخلي المتصاعد بين أركان دولة الاحتلال الذين بدأوا يتنصلون علنا من المسؤولية ويرمون بها إلى أطراف أخرى، وباتت الخسارة والاستعداد لها، كما جاء على لسان الكاتب الإسرائيلي، ليست عسكرية فحسب، وإنما خسارة فادحة في المشهد الإسرائيلي برمته الذي دمغته حالة فسخ العقد الاجتماعي بين المؤسسة العسكرية والشارع الإسرائيلي.
وقدر الكاتب الإسرائيلي، أن حماس لن ترحل، على ما يبدو، إلى أي مكان ولن يتم القضاء عليها وستتم صفقة للإفراج عن الأسرى، وهي الصفقة التي بدأت الولايات المتحدة، الشريك المباشر في حرب الإبادة الجماعية ضد سكان القطاع، تروًج لها عبر وسائل الإعلام الأمريكية منذ مساء أمس الأول الثلاثاء، بعد أن كان الكيان الإسرائيلي يروج لخطة تحفظ ماء وجهه تقوم على السماح بخروج قيادة حماس بمن فيهم يحيى السنوار ومحمد الضيف إلى المنفى سواء في قطر أو أي دولة أخرى، مثلما حصل عليه عرفات ورجاله في بيروت عقب حرب لبنان الأولى، إلا أن الكاتب الإسرائيلي لم يتردد في الإشارة بوضوح إلى أن ” غزة ليست بيروت والسنوار ليس عرفات”، مؤكدا أن “السنوار لا يبحث عن مخرج إلى المنفى وإنما يخطط لاحتفالات النصر في غزة”.
فشل الكيان الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة استخباراتيا في تقدير القوة الحقيقية للمقاومة الفلسطينية، وكانت هذه الحرب الوحشية انكسارا لقوات الاحتلال وكارثة أخلاقية للكيان الذي جرته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، وللولايات المتحدة أيضا، ويمكن اعتبارها بداية التأريخ لانهيار دولة الاحتلال.

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …