بقلم / علي مرعي
مشهد الاشتباكات العنيفة وكثافة النيران التي شهدتها محاور القتال بطرابلس السبت الماضي أعاد للأذهان مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات .
كانت أمسية مخيفة، حيث القذائف من مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة تتطاير من كل اتجاه، ولا أحد يعلم على وجه التحديد من أين تأتي ومن أي طرف .
كانت ساعات عصيبة لم نكن نملك معها سوى الدعاء لأن تتوقف هذه الجولة من الحرب الشرسة التي أرعبت الناس وأقلقتهم على مصيرهم ومصير أبنائهم وأرزاقهم ، الجميع خرج إلى الشارع علهم يلتقطون إشارة ما من هنا أو هناك تطمئنهم أن الاشتباكات لن تصل إليهم حتى لا يضطروا إلى النزوح مثل إخوانهم في أماكن أخرى .
مشهد الأمس لا يمكن وصفه ، رشقات الصواريخ وزخات الرصاص كنا نراها بالعين المجردة، ونتساءل هل يمكن أن تخطىء إحداها وتصيب أحد البيوت الآمنة أو أن تسقط على إحدى السيارات المارة التي لا يفصلها عن منطقة الاشتباكات سوى بضع خطوات؟ .
الكل يرتعب خوفا وهلعا ، والكل يتساءل متى تتوقف هذه الحرب اللعينة التي لم نجن منها سوى القتل والدمار والخراب والتهجير والنزوح؟ أكثر من ثمانية أشهر وأزيج المدافع لا يتوقف ، مناطق بأكملها أصبحت مناطق أشباح اللهم إلا من المقاتلين على هذه الناحية أو تلك ، والمفارقة العجيبة أنهم جميعا أبناء هذا الوطن بل أكثر من ذلك ربما ذوي قربي يقاتلون بعضهم بعضا ، على ماذا؟ ، لا أحد يدري.
واقع الحال ينبئ أن لا حلول في القريب العاجل لهذه الحرب العبثية رغم محاولات البعض إيجاد صيغة ما للتهدئة ، أو أقله إيجاد هدنة بين المتحاربين لإراحة الناس ، وما زال كل فريق متمترس في مكانه ، والسلاح يتدفق من كل حدب وصوب وكأننا في حرب ضروس مع عدو أو محتل.
لماذا هذه الحرب؟ ومن يدفع فاتورتها ؟ وما هي النتائج المرجوة منها؟
بادئ ذي بدء يمكن القول أن الخاسر الأول من هذه الحرب هو المواطن ، خسارة أمنه وخسارة ممتلكاته وأهمها خوفه على مستقبل أبنائه ، حيث لا أمل يلوح في الأفق تبدد مخاوفه من أن هذه الحرب ستتوقف قريبا، ولا أمل يمكن أن يبعث الطمأنينة في نفسه ويجعله ينظر بعيون متفائلة إلى غد أفضل وأحسن .
أحدهم يتساءل لماذا لا يجلس الليبيون مع بعضهم البعض ويحلوا مشاكل الوطن بعيدا عن الخارج؟
وآخر يتساءل هل عجز الساسة في ليبيا عن إيجاد صيغة ما لإنهاء هذا الوضع المزرية ،
أسئلة مشروعة ومحقة، ولكن للأسف لا تجد من يجيب عليها.
المسألة أن هذه الحرب العبثية يتم تغذيتها وتأجيجها من خارج الحدود ، كما غذت حروبا من قبل في كثير من البلدان ، الخارج لا يهمه راحة الليبيين ولا الاتجاه نحو البناء وبناء المستقبل أسوة بباقي الدول التي تنعم بالأمن والاستقرار ، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها على الإطلاق .
بنظرة فاحصة إلى ما يجري في بلدان عربية من تناحر وتقاتل واحتجاجات ومظاهرات وعدم استتاب للأمن سندرك حينها أن نعمة الأمان والاستقرار في أي مجتمع لا يعادلها أي شيء،
وبالتالي فإن الدعوة أصبحت ملحة للعقلاء وأصحاب الرأي السديد للتدخل لإنهاء هذه الحرب الطاحنة بين أبناء الوطن الواحد .