منصة الصباح

أطفال منسيون في ظلال المدينة القديمة

ايناس احميدة

 في قلب طرابلس، حيث يتجلى عبق التاريخ ودفء الأصالة، تُروى الحكايات بين الأزقة والمآذن. هنا، تلتقي العمارة العتيقة بالفن والثقافة، وتنبض الحياة بالفعاليات الاجتماعية والفنية التي تعكس أصالة المكان وعمقه.

ندوات، معارض، ومناشط متنوعة تقام في هذه المدينة، بحضور مسؤولين ومثقفين وفنانين، في مشهد يتناغم مع أصوات المآذن وصخب الأسواق. لكن، خلف هذه الصورة المشرقة بالأضواء والألوان، توجد زوايا مظلمة وقصص مؤلمة تختبئ بعيدًا عن الأنظار.

بين أزقة المدينة القديمة، أو ما يُعرف بـ”الحارة”، يعيش أطفال “ساقطي القيد”. أطفال بلا هوية، بلا أوراق تثبت وجودهم، وبلا حق في الحياة الكريمة. هؤلاء الصغار، الذين نشأوا في بيئات مفككة، هم ضحايا الفقر والجهل والعلاقات غير الشرعية وإدمان المخدرات. يعيشون في بيوت رطبة متهالكة، محرومين من أبسط شروط الحياة الصحية.

ورغم أنهم في قلب المجتمع، إلا أنهم يعيشون على هامشه؛ منبوذون، غير مرئيين، ومجرد أشباح تتنقل في ظلال المدينة.

وفي الوقت الذي تتباهى فيه المدينة القديمة بمشاريعها السياحية والثقافية، تغرق أزقتها الخلفية في القاذورات والمنازل المدمرة والأطفال الذين يعانون بصمت. ضحايا للاعتداء الجسدي، الاستغلال الجنسي، وأعمال السخرة، بينما تبقى المؤسسات الاجتماعية والقانونية غائبة عن مشهد حياتهم المأساوي.

ورغم تفاقم هذه الكارثة الإنسانية، نجد المسؤولات على رأس المؤسسات المعنية – من وزارة المرأة والشؤون الاجتماعية إلى وزارة العدل – منشغلات بالمشاركات الخارجية وحضور الفعاليات غير المجدية. في حين يتطلب الواقع اهتمامًا فوريًا لمعالجة هذه القضايا الجوهرية، نجد أن الوقت يُهدر على أجندات لا تمس جوهر المأساة التي يعيشها أطفال الظل.

المطلوب الآن ليس مجرد وعود أو خطابات، بل إجراءات حقيقية تبدأ بحصر هذه الفئة المهمشة، وتوفير الدعم اللازم لهم من صحة وتعليم وحماية قانونية. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد قضية اجتماعية؛ إنهم جزء من مستقبلنا الذي يتطلب منا الوقوف إلى جانبهم.

آن الأوان لتحرك حقيقي يعيد لهم إنسانيتهم، وللمدينة القديمة بريقها المفقود، حيث لا تُهمل زواياها المظلمة ولا تُنسى أرواحها المنكسرة. إنها دعوة للعدالة والرحمة، قبل أن يصبح التغيير مستحيلًا.

شاهد أيضاً

ما مدى حجية التسجيلات الصوتية وكاميرا الفيديو للإثبات الجنائي في القانون الليبي ؟

بقلم / آمنة الهشيك / أستاذة قانون   وسائل الإثبات هي عيون العدالة التي يرى …