بقلم /سليم يونس
فيما ترتفع وتيرة المنافسة في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي لنيل ورقة الترشح للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بات واضحا أن الصراع قد انحصر بين نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن والسيناتور المستقل بيرني ساندرز، بعد انتخابات يوم الثلاثاء 3 مارس الماضي التي شملت 14 ولاية، عندما تمكن بايدن ليس اللحاق بالسيناتور ساندرز فقط بل وتخطيه.
هذا التقدم الكبير المفاجئ لنائب أوباما السابق ربما يشكل عقبة جدية إذا ما استمر على نفس الوتيرة للمرشح ساندرز، الذي لا يحظى بدعم المؤسسة التقليدية للحزب الديمقراطي، وهو يكشف إلى حد كبير حجم الصراع بين تياري الحزب: التقليدي المؤسساتي الذي يدعم بايدن من ناحية، واليسار الذي يقف خلف ساندرز من ناحية أخرى.
ويرد المراقبون وقوف القوى المتنفذة في الحزب الديمقراطي ضد ساندرز وبعث الحياة في حملة بايدن، إلى فزع المؤسسة التقليدية في الحزب الديمقراطي (يمين الحزب) من احتمال فوز ساندرز في الانتخابات التمهيدية، ليس بسبب رؤيته السياسية الاجتماعية والاقتصادية كيساري (وفق الفهم الأمريكي) فقط، وإنما في كونهم لا يثقون في إمكانية فوز ساندرز على مرشح الحزب الجمهوري ترامب، ومن ثم خسارتهم أمام ترامب والجمهوريين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، على أساس أن ساندرز يقدم نفسه بصفته «ديمقراطيًا اشتراكيًا»؛ وهو ما يجعل يمين الحزب الديمقراطي التقليدي يتخوف من أن يستغل الجمهوريون ذلك لمصلحتهم لتصوير الحزب الديمقراطي باعتباره حزبًا متطرفًا، ومتسامحًا مع الأفكار الراديكالية «الشيوعية».. وكان ساندرز قد عرّف «الاشتراكية الديمقراطية» عام 2015 بأنها قائمة على إصلاح الاختلالات في النظام الاقتصادي الأميركي وتوزيع الثروة بطريقة عادلة، وكذلك على إصلاح النظام السياسي الأميركي، والحد من سطوة رؤوس الأموال وجماعات الضغط عليه.. وهو يرى أن الدولة ينبغي لها أن تمارس دورًا رعائيًا أكبر في المجالات الاجتماعية، وخصوصًا التعليم والتأمين الصحي. ويعتبر ساندرز برنامجه استكمالًا لبرنامج الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت (1933–1945)، الذي عرف باسم «الصفقة الجديدة» New Deal.
لكن حالة فزع يمين الحزب الديمقراطي لا تقف عند وَسْمه بأنه اشتراكي، وإنما يضاف لها موقفه الشجاع وهو اليهودي المندد بصفقة القرن، دون حساب لردود الفعل وحملات الكراهية والتحريض من قبل الكيان الصهيوني ومؤيديه في الولايات المتحدة، خاصة الإنجيليين الذين يشكلون ربع الناخبين الأمريكيين، وأثر ذلك على صندوق الاقتراع داخل الحزب الديمقراطي والانتخابات العامة لاحقا إذا ما كسب ورقة الترشح عن الحزب الديمقراطي.
وكان السيناتور ساندرز قد وصف «خطة السلام» صفقة القرن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بأنها «غير مقبولة». ودعا إلى إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المستمر منذ عام 1967. مؤكدا أن ما يسمى «خطة السلام»، سيزيد من حدة الصراع بين الدولتين، لأنه يجب أن يحصل الفلسطينيون على حقهم في تقرير مصيرهم لإقامة دولة مستقلة وديمقراطية. مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة إقامة دولة إسرائيلية آمنة.
واعتبر السيناتور الأمريكي اليهودي، أن الترويج لتلك الخطة بدون إرساء اتفاق سلام عادل ودائم متوافقا مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، يعد غير مقبول.
كما ذهب إلى حد القول إنه سيبحث مسألة إعادة مقرّ سفارة بلاده من القدس إلى تل أبيب في حال فوزه، كما اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بأنه «عنصري»، جملة هذه المواقف من رجل يهودي مرشح لأن يكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جعلت وزير الخارجية الإسرائيلي يعتبر أن تصريحات ساندرز مرعبة.
بل إن قيادة الحزب الديموقراطي في محاولة لوأد حظوظ ساندرز، استحدثت شعار «قابلية المرشح للفوزElectability ،» لتوجيه الرأي العام في سياق أوحد يفضله الحزب؛ جسد بتصريحات كبار قياداته بعد إعلان نتائج «الثلاثاء الكبير،» يوم 3 مارس الماضي مفادها أن «جمهور الناخبين أيدوا كلا المرشحيْن (بايدن وساندرز) لكنه توحّد بوضوح حول المرشح الذي رآه الأكثر قابلية للانتخاب.» حسب المدير الإعلامي لجمعية حكام الولايات الديموقراطيون، جاريد ليوبولد.. ومن باب التحريض السلبي على سادرز سلطت قيادات الحزب الديموقراطي وامتداداتها الإعلامية الأنظار على تصريحات بيرني ساندرز التي أشاد فيها بإنجازات الثورة الكوبية، لا سيما في سجلها بمحو الأمية وبرامج الرعاية الصحية الشاملة، ووجدتها فرصة مواتية لاستنهاض الجالية الكوبية المناهضة للنظام الاشتراكي في ولاية فلوريدا وحشدها ضد المرشح ساندرز، ووقف زخم حملته والحيلولة دون بلوغه حسم نتائج الانتخابات التمهيدية.. ليس هذا فحسب بل إن القوى المؤثرة في الحزب الديمقراطي على استعداد للعب ورقة كبار النافذين في الحزب الذي يبلغ تعدادهم نحو 500 عنصر مكونة من أعضاء مجلسي الكونغرس، والرؤساء السابقين – بيل كلينتون وباراك أوباما-وآخرين الذين سيمارسون نفوذهم الضاغط «خلف الكواليس» لترجيح كفة مرشحهم المفضل جو بايدن؛ لإقصاء بيرني ساندرز. ومنعه من كسب ورقة ترشيح الحزب الديمقراطي حتى لو حالفه الحظ بفوز معتبر في عدد المندوبين للوصول إلى المؤتمر العام.
غير أن محاصرة ساندرز ورهانا المتنفذين في الحزب الديمقراطي على نائب الرئيس السابق بايدن كمرشح من قبل الحزب الديموقراطي، كما يتوقع بعض المراقبين، ربما يشكل صدمة انتخابية لدي مؤيدي ساندرز، قد تدفع بعضهم من باب النكاية إلى التصويت للرئيس ترامب، والبعض الآخر سيفضل عدم المشاركة، مقابل إقبال فاعل وكثيف لقواعد الحزب الجمهوري.
وخلاصة القول إن موقف القوى المتنفذة في الحزب الديمقراطي من السيناتور بيرني ساندرز ستصب في مصلحة مرشح الحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب، وربما تعكس نفسها كذلك على انتخابات الكونجرس بمجلسيه، في ظل حالة الانقسام التي ستتركها معركة الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي ليعيد سيناريو الانتخابات السابقة التي نافست فيها مرشحة الحزب هيلاري كلينتون المرشح الجمهوري دونالد ترامب نفسه، عندما صوت أنصار الحزب الديمقراطي لصالح مرشح الحزب الجمهوري آنذاك. مما يجعل الحزب الديمقراطي يخسر مرتين أولهما الانقسام الحزبي، وثانيا منصب الرئاسة لرئيس (ساندرز) كان يمكن أن يحدث نقلة نوعية في الواقع الأمريكي الداخلي وفي السياسة الخارجية.