منصة الصباح

امنحوا المواطن فرصة العمر والعائلة قبل الشيخوخة

أحلام محمد الكميشي

يقدم المجتمع عبر دور رعاية المسنين الدعم الاجتماعي لمواطنين وصلوا مرحلة الشيخوخة ولا يوجد من يقدم لهم الرعاية عائليًا، وقد يتفضل أقارب بعضهم بزيارتهم فيما أقارب البعض الآخر لا يذكرونهم إلا عند استلام أماناتهم بعد الوفاة، وفي بلد تفتخر بكونها بلد المليون حافظ منذ سنوات دون أن يتغير هذا الرقم بتغير الظروف يستنكر الجميع قيام ابن عاق برمي والديه أو أحدهما تلبية لطلب زوجته أو قيام أولاد بترك أمهم دون معيل بعد بيع بيتها وتقاسم ثمنه بين الورثة، وبقدر ما تُشكر الدولة على توفيرها ملاذًا آمنًا للمسنين فهي مسؤولة عن الظروف التي أوصلتهم لدور الرعاية، بسبب مسؤوليتها عن المعيشة التي فرضتها على مواطنيها بكل سلبياتها.

في الماضي لم تكن هناك دور رعاية، لأن الزواج كان في سنة مبكر ما يجعل الآباء والأمهات يكبرون مع أولادهم مكونين الكثير من الذكريات المشتركة والتي عتقتها الرفقة والعشرة، حيث يرافق الابن والده في عمله وزياراته، وترافق البنت أمها طول الوقت، فيما تنتقل العائلة كلها خلال مواسم الحرث والحصاد والمناسبات فتزيد حصيلة الذكريات الجماعية التي يعمقها الكفاح اليومي المشترك، ويتزوج الولد في سن العشرين أو أقل ولا تتغير الحياة كثيرا ببقائه في نفس بيت العائلة وتتزوج البنت قبل البلوغ أو بعده بقليل وتنتقل من جوار أمها إلى جوار والدة زوجها التي تكمل تعليمها وتدريبها وتتشاركان عمرًا كاملا بمهام متبادلة لتنشئة الأحفاد.

العشرة والرفقة هي ما ميز حياة الأولين في منظومة كاملة لكل فرد فيها واجبات وحقوق، ويتعين على الكبار ربط الأجيال بالقصص والحكايات وتاريخ الأجداد متممين دور الوالدين في التربية والرعاية، وكثير من الأطفال الخُدج أكملوا حضانتهم في حجور الجدات ملفوفين في حزمة من الصوف كانت أكثر حنانًا وأمانًا وأقل تكلفة من حضانات المشافي والعيادات اليوم، فكيف يفرط رفيق في رفيقه؟ وكيف يستغني عن عشرة العمر ونضال السنين؟

تبرز مسؤولية الدولة بسبب غياب التخطيط الجيد لمؤسساتها وتضارب القرارات المؤثرة على حياة ومستقبل المواطن الذي يستهلك عمره ما بين فرصة عمل حكومي صعبة المنال إلى تعيين دونما إفراجات مالية إلى مرتبات دون سيولة مصرفية إلى منح وهبات وإنفاق مجهول يدفع ثمنها كلما تم رفع سعر صرف الدولار وزادت معه الأسعار والتضخم، مع التأخر في الزواج لعدم القدرة على متطلباته، إضافة لضياع اليوم في الوقوف في طوابير المصارف ومحطات الوقود والمنافذ الحدودية والمستشفيات وملاحقة الدوائر الرسمية وفق بدعة (تعالى غدوة – عمل داخلي)، إضافة إلى الحاجة للبحث عن أكثر من فرصة عمل صباحًا ومساءً للإيفاء بالالتزامات ومحاولة الهروب من التماس مع خط الفقر، كل هذا أهدر الوقت اليومي الذي كان في السابق أهم مقومات الرفقة والعشرة بين جيل الآباء والأمهات وجيل الأولاد، وانحسرت معه مساحة الذكريات المشتركة وتقلصت قيمة الرفقة والعشرة مفسحة المجال لواقع رقمي افتراضي باهت المشاعر يستأثر بالأولاد بعيدًا وإلى الحد الذي يسمح بالاستغناء عن الكبار إن دعت الحاجة ومتى احتدمت ظروف الاختيارات الصعبة.

شاهد أيضاً

لغة السنغال… ليست عربية

 بقلم: د. علي عاشور السنغال دولة أفريقية مسلمة، ومستعمرة فرنسية سابقة، يبلغ عدد سكانها أكثر …