عن كتاب ” الجلطة التي أنارت بصيرتي “
محمد الهادي الجزيري
أن تقرأ لشخص ما يتحدّث عن الجلطة الدماغية ..يعدّ أمرا هاما إذا كنت تتعافى منها وتستعد للنهوض التام من محنتك الأليمة، وخاصة أنّ كاتبة هذا المتن الهام ليست سوى طبيبة مختصة في المخّ ..، تروي تفاصيل إصابتها بالجلطة بشكل سرديّ ممتع يعود على القارئ بالفائدة ويتعلّم منه كيف يتفادى آثارها ..، وشكرا لها على سعة صدرها فقد استجابت للعلم والطبّ ..ولم تكتف بشفائها بل فكّرت في العديدين ممّن مرضوا بهذا الداء الذي يستوجب الصبر الكثير ونصائح كلّ مختصّ خاصة أنّه جرّب التجربة…
الفصل الأول من كتاب ” الجلطة التي أنارت بصيرتي ” خصّصته للحديث عن حياتها ومشاغلها المهنية قبل إصابتها بالمرض ، وقد عنونتها ب ” جيل، ما قبل الجلطة وحياتها ” وقدّمت فيه للقارئ الإنسانة النشيطة قبل انطفاء عقلها وصمته الرهيب، تحدّثت عن نفسها كعالمة متخصّصة في المخّ البشري، وتطرّقت إلى اهتماماتها وعن سعيها للبحث والتنقيب، وكم وصفت حياتها بالضاجة بالفرح والنشاط وكانت تنتقل عبر البلاد من أجل اكتساب المزيد من العلم..، حتّى صبيحة ذلك اليوم الذي أصيبت فيه بالجلطة اللعينة…
أمّا إذأ كنت تتساءل عن الحالة النفسية التي يعيشها المصاب بالجلطة الدماغية ..فقد خصّصت لك الكاتبة مكانا معها ..في سفر غريب تُريك كيف تأزّمت القدرة الإدراكية، فتنطلق في رحلتها الوصفية من فقدانها الوعي وأخذت وضعية المسجاة ..وتسرد عليك الحالات الحرجة التي مرّت بها ..ثمّ وفي فصل أخير هو ” التعافي ” تعطي القارئ وصفة كاملة وشاملة لنوعية الخروج نحو الشفاء التام ..محفوفة بخمسين نصيحة في ملحق الكتاب تُعين المريض على التعافي .. ونورد البعض من هذه النصائح :
” ـ كن صبورا معي، وحين تعلّمني شيئا للمرّة العشرين، افترض أنّها المرّة الأولى
ـ قدّر ساعات نومي، ودورها المهم في عملية التشافي
ـ لتكن أسئلتك لي ذات إجابات محددة وامنحني وقتا كافيا للوصول إلى الإجابة
ـ لا تكمل الجملة لي من فضلك، ولا تكمل فراغ الكلمات التي تضيع منّي فأنا أحتاج أن أمرّن مخّي
ـ تذكّر بأن فقدي لبعض الوظائف، لا يعني بأنني لم أكتسب قدرات أخرى
حقيقة استفدت كثيرا من قراءتي لهذا الكتاب ..وأكنّ لكاتبته كلّ الحبّ على تفكيرها في أشخاص لا يقاسمونها المكان ولا اللغة ولا الدين ..وخصّتهم بخلاصة تجربتها وباحت لهم بتفاصيل دقيقة ..وساعدتهم على فهم المرض والتعامل معه..هذا في ما يخصّ المرضى أمّا الأصحاء فقرّبت لهم الحالة أوّلا وجعلتهم يتفهّمون المرض ومقتضياته..، أورد فقرة من الكتاب تتحدّث فيه الكاتبة عن شعور بالارتياح رغم إصابتها بالمرض لنسيانها كلّ شيء وكلّ ما يغيظها ..وصارت فرِحَة بالعيش :
” لقد نسيت كلّ شيء عن أخي ومرضه، ونسيت كلّ شيء عن والديّ وطلاقهما، ونسيت كلّ شيء عن مهنتي وعن الأشياء التي تجلب الضغوطات في حياتي، بعد هذا الطمس لذاكرتي، بدأت أشعر بالارتياح والغبطة…في ذلك اليوم المميزّ ، تعلّمت بكلّ بساطة معنى أن أعيش ..”
تقول الدكتورة نجمة إدريس مترجمة هذا المتن مشكورة، في مفتتح الكتاب …مرغّبة فيه لقراءته والولوج لعوالمه الشيقة المفيدة ..:
” هو ليس كتابا في الطب، ولا في العلوم، ولا هو مرجعا في فنّ التمريض، وإنما هو جماع لوجوه عدّة من السيرة الذاتية، والرواية، والمذكرات، دون أن يخلو من شذرات لمّاحة من العلم المبسط، وإشارات بليغة إلى مركزية المخّ في صنع تلك العلاقة المتينة بين جانب الإنسان المادي/ الفيسيولوجي، وآفاقه الروحية المنداحة في كون أرحب وأكثر سكينة وسلاما ..”