منصة الصباح

اليوم العالمي للشعر… احتفاء بقوة الكلمة

الصباح/ استطلاع: خلود الفلاح

يصادف اليوم الخميس 21ـ مارس، اليوم العالمي للشعر. والذي يهدف في كل عام إلى تعزيز القراءة والكتابة ونشر وتدريس الشعر في جميع أنحاء العالم.

اعتمد المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999، ولأول مرة، يوم 21 مارس اليوم العالمي للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير.
يعتبر الشعر هو أحد أشكال التعبير وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما ما يعتبران أغنى ما تمتلكه الإنسانية، فمنذ قديم الزمان، عرفت كل القارات بمختلف ثقافاتها الشعر، إذ انه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام.
في هذا الاستطلاع كان السؤال، هل مازالت الكلمة قادرة على التغيير؟

التغييرات الجذرية المعرفية والجمالية مازالت مدينة للكلمة

قال الشاعر عبد الحفيظ العابد: أظن أنّ السؤال ينفتح على إجابات متعدّدة لأنه ينطوي على أسئلة ضمنية مسكوت عنها، ذلك أن السؤال عن قدرة الكلمة على التغيير في الوقت الحاضر يفترض أنها كانت كذلك في زمن سابق، ثم إن إطلاق الكلمة دون تحديد النوع الذي تنتظم فيه يجعل الإجابات متباينة، لكنّي سأفرّق بين الكلمة المكتوبة ومن ثم المقروءة، والكلمة الملفوظة، وأضع ذلك في مقارنة مع الثقافة المرئية المهيمنة حيث أصبحت الصورة دالّاً مهمّاً يؤثر في حياة الناس مفيدة من الطفرة الهائلة في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن القراءة خسرت مكانتها لصالح المشاهدة دون أن يعني ذلك التخلّي كليّاً عن الكلمة ودورها في التغيير لأنها مازالت تشكل المادة الأساسية للخطاب الإعلامي الرسمي وغير الرسمي، فالكلمة نجحت في إعادة تموضعها داخل الوسائط الجديدة بعد أن انحسرت من الورق الذي قل الاحتفاء به، وفي رأيي أن التغييرات الجذرية المعرفية والجمالية مازالت مدينة للكلمة لأن كل أنواع الخطاب السياسي والديني والفكري يتأسس من الكلمة، كما أن الخطاب الإبداعي رغم إفادته من التطور التكنولوجي في رقمنة الأدب لم تخلّ عن الكلمة، كل ما هنالك أننا أمام هجرة مستمرة للكلمة من الكتب إلى وسائط جديدة.

تنوير الفكر الإنساني

أما الشاعرة غزالة الحريزي فتؤمن أن للكلمة قوة كبيرة، ولها تأثير شديد في إحداث تغيير، ونعي جيدا أيضا بأن التغيير لا يحدث إلا بشكل مدروس ومخطط له مسبقا. وبالتالي يحدث تغيير في واقع الإنسان ومحيطه. لذا فالكلمة التي هي بنت الفكر، ويتوالد عنها أفكار تتداول بين الجميع تعمل على إحداث التغيير المطلوب الذي بطبيعة الحال سيكون تغيير إيجابي، وذلك حين يتم دراسة الخطاب الممنهج للتغيير أي صناعة الكلمة بشكل علمي موجه لتغيير الحال، وبالتالي يصبح للكلمة قوة وتأثير لإحداث تغيير إيجابي من شأنه دفع المجتمع إلى وقفة التأمل في أوضاعه وأحواله الجدير بالذكر أن الكلمة عبر تاريخها الطويل صنعت حالات تغيير كثيرة، ولن تشيخ أو تضعف عن استكمال دورها في تنوير الفكر الإنساني وصنع التغيير الإيجابي في المجتمعات الإنسانية وعلى مجمل حالتها، وأن التغيير كما هو معروف لا يحدث بشكل مفاجئ أو في وقت سريع.

الكلمة ضمير الإنسان

وترى الشاعرة فرات إسبر، أنه لا يمكن مقارنة الشعر، في الماضي، بما هو عليه في الآن في زمن الحداثة. وما كان يقال عنه شعرا ً في زمن الأسلاف تغيرت ملامحه في زمن الحداثة، حداثة، فن القتل والتخريب والموت الذي يدور في عالم اليوم.
اليوم نشهد تحطمَ العالم والإنسان، ماذا سيفعل الشعر في هذا الخراب؟
وأمام مرآى العالم يُقتل الأطفال وتموت النساء. ولو عاد شاعر القضية إلى الحياة فهو لن يقول كلمة في الشعر لأن شعرهُ سيدينه ويدينُنا لأننا شهود على هذا الخراب والقتل والموت.
الكلمة ضمير الإنسان والشعر مسؤولية كبيرة أمام العالم.
ماذا يقول الشاعر اليوم لأطفال غزة، للنساء، للبيوت للطرقات، للأشجار، لكل بيت يتهدم.
الشعر ملاذنا الروحي والنفسي به نطهر أرواحنا، ولكن كيف لنا أن نبرر هذا الموت، في الشعر.
قديما ً كان الشعراء روح الأمة وتاريخها وذاكرتها. كان الشاعر يموت من أجل كلمة ولا يتردد في الهجاء والمشاركة في الحروب، ولكن شعراء اليوم يعيشون في حالة من الثبات والغيبوبة، لا دور لهم ولا صوت أمام هذا الواقع المرير.
الحداثة غيّرت العالم، غيرت الأرض، لكن هذا التغيير لم يشمل الشعراء الذين ما زالوا في حالة الثبات وما يزال الشاعر ينتمي إلى القبيلة والعشيرة والطائفة.
بكلمات قليلة أقول: أن الشعر هو رفيق الإنسان الأزلي، وعلى هذا الشعر أن يغّير العالم كما كان قديما. أولا نتطهر ثم نموت.
ليس عندي سوى هذه الكلمات ربما تعزينا ولو قليلاً بأننا قدمنا ما استطعنا إليه بالشعر سبيلا وأقول لامهات غزة:
يا أبنة القمر تنفسي هذا الهواءَ الملوث في أنفاس اخوتك العرب
سامحيهم ُ فهذا الجرح سيلتئم،
سيصيرُ برتقالاً في أراضي يافا
وملحاً في سواحل حيفا
وعنباً في كروم الأمهات،
في أحضانهن سينمو الزعتر البري
فالأبناء ُ جواهر ٌ ونجوم
ويبقى الموتُ عدو َ الحياة
إلا في بلادٍ نذرتْ نفسها للموت
والقرابينُ كلها لم تكن كبشَ إبراهيم ولا أولاد إسحاق
هاجر واسماعيلُ يُخيطونَ جراحاتهم بالصمت والموت
الزهور تنمو في أراضيهم وتضيء فوقها الطائرات.
بالشعر يحيا الإنسان ويتطهر، وربما تسامحنا كلمات الشعر لأننا عاجزون عن تقديم ما يخدم البشرية ويداوي جروح الناس.

شاهد أيضاً

*أولويات الإصلاح الصحي*

د.علي المبروك أبوقرين   حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما …