منصة الصباح

الهنداوي، لقاء بعيد في الزمن، قريب من القلب..!

جمال الزائدي

 

في أول أيام عملي بالصحافة متلمِّساً طريقاً وعرة دون بوصلة أو توجيه.. نشرتُ مرة بالملف الثقافي لصحيفة “الشمس” في التسعينيّات مقالة صغيرة عن رواية “الشطار” للكاتب المغربي الراحل محمد شكري.. أشدتُ فيها بقدرته الفوتوغرافية لوصف عوالم الفقر والبؤس التي عاش فيها بطل سرديته.. كان مشرف الملف الثقافي آنذاك الأديب الكبير الراحل خليفة حسين مصطفى، وكنتُ شاباً نزقاً حينها.. قال لي في لهجة عتاب أبوي، لماذا لا تكتب عن أعمال ليبية وكُتّاب ليبيين.. أجبته بلا مبالاة سخيفة.. لا أعرف كتاباً ليبيين كُثر.. وذكرت له اسمين أو ثلاثة منهم الكاتب القاص سالم الهنداوي الذي اعتقدتُ لسنوات عديدة أنه ليس ليبياً..

بحكم عمل والدي الراحل واهتماماته، كانت الصُّحف والمجلّات العربية لا تغيب عن بيتنا، وفي أكثر من مطبوعة كنت أتعرّف على صورة واسم “سالم الهنداوي” مع حفظ الألقاب..

أحببتُ مقالاته السلسة وقدرته على المزاوجة بين لغة الأدب الفاخرة المواربة ولغة الصحافة الوظيفية المباشرة.. قلليلون هُم الكُتّاب في عالمنا العربي من يتمتّعون بهذه الهبة المباركة، فهي تستغرق جهداً وحدباً وجدية فائقة..

 

منذ ذلك الوقت المبكِّر، أي في مرحلة تكوين الوعي بالنسبة لي، استقر الهنداوي في تصوُّري كأحد رموز الثقافة والأدب والإبداع في بلادنا ..

 

غادرتُ الشباب واكتهلت ورغبتي في لقاء الأستاذ سالم الهنداوي لم تتحقق، بالرغم من تقاطع مساراتنا وعملنا المشترك في مجال الصحافة.. لكن قبل نهاية العام 2021 تلقيتُ مكالمة هاتفية من الصديق سالم البرغوثي يدعوني إلى لقائه بأحد مقاهي فندق من فنادق العاصمة، وهناك فوجئت بوجود الهنداوي بشحمه ولحمه،  وارف الحضور كما يليق بأمثاله من الكِبار قيمة وقدراً.. انهمكنا في أحاديث طويلة متشابكة ومزاح وضحك كما لو أننا نعرف بعضنا منذ دهور.. كان متدفقاً وودوداً ومتشابهاً إلى حد التطابق مع كتاباته التي تضجُّ بالحياة والحركة والعفوية على نحو يضعك في حيرة وتساؤل عمّا اذا كان بالامكان الفصل بين الهنداوي الكاتب والهنداوي الإنسان، ولو نظرياً..؟

في الحقيقة لا أعرف  أدباء وصحفيين بحجم الأستاذ سالم الهنداوي يجيدون التواصل المباشر مع الآخرين بنفس الدرجة التي يبدعون بها في كتاباتهم..

أنا سعيد وفخور بمعرفتك أيها المبدع النبيل..

 

شاهد أيضاً

كاريكاتير

كاريكاتير