منصة الصباح

الهدوءُ يسود الجبهة الغربية

زايد..ناقص

جمعة بوكليب    

كان أول ما فعله النازيون في ألمانيا، حين تمكنوا من اعتلاء السلطة،  أنهم قاموا بمنع وإحراق الكتب التي تعارض عقيدتهم العرقية العدوانية. ومن ضمن تلك الكتب رواية اسمها” الهدوءُ يسود الجبهة الغربية” لكاتب ألماني، خاض غمار الحرب العالمية الأولى، اسمه إريك ماريا ريمارك. الرواية صدرت مسلسلة في حلقات في مجلة ألمانية عام 1928، ونشرت في كتاب عام 1929. وحولت إلى شريط سينمائي أمريكي حاز على جائزة الاوسكار. وهي باختصار  تروي تجربة ألمانيا خلال تلك الحرب المهلكة، ومن وجهة نظر كاتب ألماني مناويء للحرب. من المهم الاشارة إلى أن أغلب الكتب التي تتناول الحربين الكونيتين كانت من وجهة نظر الجانب المنتصر. وريمارك قلب تلك المعادلة.

بعد عام على صدورها، صدر الجزء الثاني منها بعنوان “طريق العودة.” واستناداً إلى ” ويكيبيديا” على الانترنت، ترجمت الرواية إلى أكثر من عشرين لغة، وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة. النازيون لم يكتفوا بمنع الرواية وحرقها، بل تمادوا في عدوانيتهم نحو الكاتب، وسحبوا الجنسة الالمانية منه، فأضطر إلى الهرب والعيش في سويسرا.

هذه السطور ليس غرضها التعرض إلى الرواية المذكورة، فلذلك حديث آخر مستقبلاً، بل التعرض إلى الحرب الدائرة في القارة الأوروبية العجوز، بين روسيا وأوكرانيا، ولم تعرف جبهاتها الحربية الهدوء، منذ بداية الاجتياح الروسي، في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي.

الحربُ الكونية الأولى اشتهرت بكونها حرب خنادق، وتمت بأسلحة تعدُّ بدائية مقارنة بما يستخدم الآن من ترسانات عسكرية تقنية مميتة. وكانت أول حرب يستخدم فيها الغاز السام. لذلك كانت خسائرها البشرية هائلة. لكن الحرب الدائرة حالياً في تلك البقعة من القارة الأوروبية العجوز مختلفة، وتهدد بكارثة على العالم، في حالة لجوء الرئيس الروسي إلى استخدام الترسانة النووية الروسية الضخمة. آخر التطورات ما تناقلته وسائل الاعلام عن تعرض العاصمة الاوكرانية كييف إلى هجمات عشوائية بالصواريخ على أحيائها السكنية. أكثر من عشرة ملايين مواطن أوكراني بين مهاجر ونازح.

المسافة الزمنية التي تفصل بين بداية الحرب وآخر تطوراتها لا تعد قصيرة. وخلالها انقسم العالم معسكرين. معسكر تقوده أمريكا يدعم أوكرانيا وآخر على رأس قائمته الصين. وما حدث باختصار هو  أن جنرالات موسكو اعتقدوا خطأ أن الحرب ضد أوكرانيا ستكون بمثابة نزهة روسية عسكرية قصيرة، ثم العودة إلى الديار غانمين منصورين، كما حدث في عملية احتلالهم لجزيرة القرم عام 2014. النزهة المتوقعة، لسوء حظهم، تحولت، في فترة زمنية قصيرة، إلى  كابوس مرعب وطويل  ولم ينته بعد.

لاشيء، حتى الآن، يشي بقرب نهاية الحرب في أوكرانيا، أو لجوء الطرفين المتحاربين إلى مناضد التفاوض. لا شيء، حتى الآن، يؤكد أن السلام المؤود، من الممكن أن يبعث حيّاً في تلك البقاع مرّة أخرى، وفصل الشتاء على الابواب. والأسوأ من ذلك، أن جبهات الحرب، حتى الآن، لم تعرف الهدوء. الهدوء، في هذا السياق، يختلف عن ذلك الذي عَنْوَن به إريك ماريا ريمارك روايته.

الحرب الكونية الأولى دفعت إلى المطابع بمئات الكتب من مختلف أجناس الكتابة. والحرب الأوكرانية ستؤدي إلى انشغال دور النشر والمطابع بعشرات إن لم يكن مئات الكتب، خلال الأعوام القادمة. السؤال ما الجدوى من تأليف وطباعة ونشر كتب ترصد بدقة فظائع الحروب، إذا كان العالم الذي يقرأ تلك الكتب، لا يتعظ منها، أو يتعلم منها الدروس، ولا يتورع مطلقاً عن إعادة ارتكاب نفس الأخطاء ونفس المذابح، والكوارث والدمار؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …