منصة الصباح

غياب دور النقابات

مفتاح قناو

لعل المتابع لسلوك الناس في كل البلدان المتقدمة تكنولوجيا في قارات العالم يلحظ بسهولة أن إعلاء قيمة العمل لديهم هي العلامة الأولى الكبيرة والفارقة بيننا وبينهم، وأن كل ما يليها أو ما قد يترتب عليها من سلوكيات هي محصلة لهذا الالتزام الحضاري الهام .

تقديس قيمة العمل في تلك الدول تجبر الإنسان على الجلوس على كرسي العمل منذ اللحظة الأولى لبداية دوامه الرسمي،حتى اللحظة الأخيرة منه، دون محاولة منه للهروب أو التكاسل أو اختلاق الأعذار، التي يتفنن فيها مواطنو دول العالم الثالث.

المواطن الذي يقدس العمل في تلك الدول هو أيضا إنسان يحب الراحة، ويحب الاستمتاع، ويمارس الاسترخاء في العطلات، واللهو في الملاعب، والسهر في الحفلات، لكنه حتى يستمتع كثيرا بهذه المباهج في أوقات الراحة، ويتذوق طعما لذيذا لها، عليه أن يعمل بجد واجتهاد ودون كلل خلال دوام عمله المعتاد طوال الأسبوع، فما السبب في هذا السلوك المميز لديهم ؟!

في اعتقادنا أن أسلوب التنشئة منذ الصغر، والتربية القويمة، وغرس أهمية العمل ضمن القيم الحياتية للإنسان هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه النتيجة، وقد يقول قائل بأن التطبيق الصارم للقانون، وخصوصا مواد قانون العمل هو السبب في هذا السلوك، لكننا نعتقد أن ذلك عامل مكمل وليس عاملا أساسيا، فاحترام القانون أيضا يدرس في مدارسهم الابتدائية، وهم مقتنعون تماما بأن دقة تطبيق القانون على الجميع هي في مصلحة الجميع .

استمعت لكثير من الأصدقاء في الفترة الماضية يطالبون بضرورة وجود نقابات مهنية قوية تدافع عن حقوق العاملين في مختلف التخصصات والمهن، ورغم دعمي الكامل لهذه المطالب، لكنني كنت أرى أنها مطالب تفتقر إلى بعض المنطق، لأن إيجاد مثل هذه النقابات وجعلها قوية، ينبغي أن يكون على أسس عمل حقيقية، فلا يمكن خلق نقابات عمل قوية مع انتفاء وجود العمل نفسه، الذي ترغب في أن تقيم له نقابة تدافع عنه.

غياب دور النقابات سببه الأهم هو غياب الجدية و الانضباط في العمل فكيف يمكن الدفاع عن شيء هو أصلا غير موجود ؟! هم يريدون الدفاع عن وظائفهم بإنشاء نقابات قوية، لكنهم لا يؤدون عملهم بشكل جيد وفقا لقواعد قانون العمل، فهل يمكن أن تحدث هذه المعجزة ؟ بالطبع لا ، فالعمل الجدي يجب أن يسبق وجود النقابة.

سألني صديق ذات مرة عن سبب قوة الاتحاد التونسي للشغل، وهذه هي التسمية التونسية لاتحاد نقابات العمال، كانت إجابتي أن اتحاد الشغل التونسي قد تأسس بشكل صحيح لوجود قوة عاملة حقيقية ومنتجة ومؤثرة في اقتصاد تونس، فميزانية تونس تجمعها الحكومة سنويا من الضرائب على المحاصيل الزراعية والمنتجات الصناعية، ومن الضرائب المحصلة من أجور العمال أعضاء الاتحاد، ومن تحويلات العاملين التونسيين بالخارج، وهم أيضا عمال وينتمون للاتحاد، وليس للحكومة التونسية إنتاج نفطي تضع منه ميزانية سنوية كما يحدث في ليبيا، لذلك الاتحاد التونسي للشغل مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية في تونس، أما في ليبيا فكل ميزانية الدولة من النفط ولا علاقة للقدرات الإنتاجية والعاملين فيها بهذه الميزانية، لذلك لا يوجد تأثير لأي عمل نقابي في ليبيا، فالحكومة لا تشعر بأنها تحتاج للمواطنين، بل المواطن هو المحتاج لها بما تتصدق عليهم من هبات مالية في شكل معونة ثابتة أو بيع للعملة الصعبة بسعر منخفض أو أي شكل من أشكال البطالة المقنعة.

شاهد أيضاً

كرة الشخاشير وتقنية ” الفار”

د ابوالقاسم صميدة وحيث ان الرياضة اصبحت تجارة رابحة تدر الاموال وتستفيد منها الشركات والدول …