يقلم / عبد الرزاق الداهش
الملايين من محبي لعبة كرة القدم في ليبيا وتونس، حرموا من مشاهدة مباراة مهمة، كانت قد جمعت المنتخب الليبي، ونظيره التونسي.
والسبب أن شبكة البي أن سبورت، هي وحدها من يملك حقوق بث المباراة، وقد نقلت مجرياتها حصريا على أحد قنواتها المغلقة.
وكي يشاهد الليبي منتخب بلادها، كان عليه التوجه، لأحد موزعي الخدمة، ودفع قيمة الاشتراك، زائد ثمن جهاز استقبال الإشارة.
وعندما تجمع شبكة تلفزيونية ما بين النقل الحصري، وتشفير البث، يعني أنها الخيار الوحيد، ومنطق شئت أم أبيت.
وعلى غرار ما هو موجود في كل التشريعات الوطنية، اتصور أن الاحتكار هو جريمة في القانون التونسي، كما هي في القانون الليبي.
ولكن لا أتصور أن أيا من موطني البلدين، سيتوجه إلى مكتب النائب العام في ليبيا، أو تونس، ورفع دعوى قضائية ضد الشركة المعنية، بتهمة الاحتكار؟
وتستدعي ذاكرتي هنا، ما كنت قد طرحته منذ عشرة أعوام بالضبط، خلال اجتماع للجنة الدائمة للإعلام العربي، حول قضية احتكار بث الأحداث الرياضية.
فلا يمكن أن تمتلك شبكة “إيه آر تي سبورت” السعودية، وبمفردها حق بث المنافسات الرياضية حصريا، وعبر قنوات مغلقة، لتفرض على محبي الرياضة، عقود إذعان مجحفة.
كان رئيس الوفد السعودي في اللجنة الدائمة حينها، يتكلم عن القرصنة، والسرقة، والبث غير المشروع، في دفاع مستميت على شركة الشيخ صالح كامل.
وبعد أخذ، ورد، تم فض الاشتباك بإدراج موضوع احتكار نقل الوقائع الرياضية، كبند ضمن جدول أعمال اللجنة.
والمضحك المبكي أنه بعد انقطاعي عشرة أعوام، عن اجتماع اللجنة الدائمة، وجدتني على نفس طاولة، ووجدت نفس بند احتكار نقل الأحداث الرياضية، ضمن جدول الأعمال.
الجديد هذه المرة هو تبادل المعسكرات، فالسعودية التي كانت ضمن معسكر الملكية الفكرية، ومناهضة القرصنة، صارت أحد فرسان معسكر مناهضة الاحتكار.
ودول أخرى كانت مع السعودية في معسكر “المع”، صارت الآن معها في معسكر “الضد”.
المواطن الليبي، ليس له لا في عير السعودية، ولا نفير قطر، كل ما يريده مشاهدة مباراة منتخب بلاده، فهل هذا حرام؟
الليبيون فرقتهم السياسة، وفرقتهم الإدارة، وقسمتهم المصالح الضيقة، ولكن جمعهم فريق لكرة قدم، أليس من حقهم على الأقل مشاهدة فريقهم هذا.
شركة بي أن سبورت دفعت مليارات الدولارات، وليس الملايين، كنفقات بث، وأكثر من ذلك شراء حقوق البث، وهذا صحيح.
وكرة القدم اللعبة الشعبية، قد تحولت إلى صناعة، وسلعة ذات كلفة عالية، وهذا صحيح.
ولاعب مثل ميسي بات أغني من حكام في العالم الثالث، رغم أن ميسي يلعب في مستطيل لا يصل طوله المئة وعشرين مترا، بينما يلعب الحكام في دول.
ولكن من يدفع فاتورة الديك الذي يبيض ذهبا، والأرقام المجنونة، إلا المشاهدين خلف شاشات البي أن سبورت، والقادرين على الدفع؟ أما غيرهم فليس لهم حتى جمعيات الدفاع عن المستهلك.