منصة الصباح

الموظفون في الأرض

مفتاح قناو

كان موظفو الدولة الليبية في أوائل سبعينيات القرن العشرين يمثلون الطبقة المتوسطة في المجتمع، وهي الطبقة القادرة على تحمل تكاليف المعيشة وضروراتها، من مأكل وملبس وتربية وتعليم الأطفال في المدارس الحكومية، التي كانت تساعد أولياء الأمور من خلال تقديم التغذية المدرسية، والكتب المجانية،إظافة إلى مجانية التعليم ذاته، وإذا أضفنا إلى هذا مجانية العلاج في مستشفيات الدولة، مع جودة نوعية في تلك المستشفيات قبل أن يلحقها الإهمال والخراب، وأسعار منخفضة للمواد الاستهلاكية الأساسية، فرضتها الدولة في الجمعيات والأسواق من خلال التطبيقات الاشتراكية، والتي استغلها المرابون والمسؤولون عن تلك الأسواق والجمعيات على مختلف مستوياتهم، بداية من مسؤولي الاستيراد في الوزارات والهيئات، إلى مسؤولي منافذ التوزيع الصغيرة في كل المدن الليبية، وتفضيل أصدقائهم وأقاربهم عن باقي الناس، ثم تعلموا ــ في وقت لاحق ــ لعبة أخفاء السلع حتى ترتفع أسعارها في السوق الموازي وبيعها بعد ذلك لحسابهم الخاص.

في ظل هذه الظروف عاش الموظف الليبي يتابع حياته الرتيبة بمرتب هزيل لا يتجاوز به الأساسيات الحياتية، إلا إذا كان من علية القوم والمتنفذين في الإدارات والشركات العامة، فأنه في تلك الحالة قد لا ينظر للمرتب إلا كعادة يمارس طقوسها الشهرية مثل كل الناس.

عندما أحيل الموظف الليبي على التقاعد بعد وصوله للسن التي قررها القانون وجد نفسه يتقاضى مرتبا تقاعديًا قيمته 900 دينار، وهو لا يصل إلى قيمة 200 دولار أمريكي، وهي قيمة لا تكفي حتى لشراء أدوية الضغط والسكري التي أصابته نتجة سنوات طويلة من المعاناة الحياتية والخدمة المرهقة، كما تصادف تقاعده مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وانخفاض حاد في سعر العملة الليبية أمام العملات الأجنبية.

لقد تم رفع مرتبات كافة العاملين في الدولة في كافة القطاعات، وبعض القطاعات تم رفعها بشكل مبالغ فيه، مثل مرتبات البرلمانيين وأعضاء مجلس الدولة، أما مرتبات العاملين الوهميين في الخارج وهي بالعملة الصعبة فحدث ولا حرج، مئات الملحقين العماليين والعسكريين والصحيين وفي مختلف المجالات التي لا تستفيد منها بلادنا في شيء، في حين لم تنظر الدولة حتى اليوم نظرة جادة إلى شريحة المتقاعدين على نظام المرتبات القديم وأحوالهم المعيشية الصعبة .

هل يمكن لنا أن نشعر باوضاع المتقاعدين على نظام المرتبات القديم ؟

المتقاعدون يتقاضون حاليا 900 دينار، وهو الحد الأدنى للأجور في ليبيا، أنهم ليبيون مثلكم لا حول لهم ولا قوة، كيف يمكن لهم أن يديروا حياتهم بهذا المبلغ الهزيل ؟

المتقاعدون الليبيون لم تعد لهم رغبة في الكماليات، فقط يهمهم توفير الأساسيات التي لم يستطع أي منهم الحصول عليها بمرتبهم التقاعدية التي باتت لا تليق بمن قدم زهرة عمره لخدمة الوطن وأبناء الوطن.

ينبغي على المسؤولين في مجلس الوزراء حاليا وضع الحلول المناسبة لهم ورفع مرتباتهم، والعمل على مساواتهم بباقي قطاعات الدولة حسب دراجاتهم الوظيفية التي تقاعدوا عليها، حتى يمكن حفظ كرامتهم الإنسانية، وإشعارهم أنهم يعيشون في بلادهم التي لا يمكن لها أن تتخلى عنهم.

شاهد أيضاً

*أولويات الإصلاح الصحي*

د.علي المبروك أبوقرين   حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما …