دفق
بقلم /سعاد الوحيدي
زجت الشرطة الايطالية بمجموعة من الشباب الإيطالي في السجن، فتحرك نحو إيطاليا مجموعة من الشباب الليبي لمناصرتهم. وهؤلاء فيما بعد قاموا، اليد في اليد، بتأسيس أول “حراك عالمي”، يهدف للكشف عن المستور من جرائم الفاشية، والإحتفاء بنضالات كافة الشعوب التي واجهت الفاشية بصدور عارية.
كان الأصل في هذا الحدث التاريخي، إنتفاضة إستثنائية قادها هؤلاء الشباب الموقوفين، ضد مشروع “نصب تذكاري” لأدولفوا غرسياني، (بمسقط راْسه قرب روما، إحتفالأً بمئويته). حيث نددوا بتوظيف المال العام لتخليد ذكرى رجلاً كان تاريخه عاراً على إيطاليا، (يجب دفنه والاعتذار عنه، وليس الاحتفال به). وحيث نجحوا بالفعل في عرقلة المشروع، وإسقاط عمدة المدينة المناصر للفكرة.
غير أن التيار الفاشي تمكن رغم ذلك، (باللجوء للقطاع العام)، من القفز على هذا المنع، وبناء النصب.الأمر الذي أشعل غضب هولاء الشباب، والذين هبوا لدفنه تحت عبارات مستنكرة، تنعث غرسياني بمجرم حرب، وجزار الليبيين. وكان ذلك يكفي لتوقيفهم من قبل الشرطة، وتحويلهم للمحاكمة بتهمة “المساس بممتلكات خاصة”. لدعمهم/وشكرهم، قصد الشباب الليبي روما. ورفعوا بدورهم دعوى مستنكرة لتصنيف النضال العادل، “كجريمة” يعاقب عليها القانون.
بمتحف ذاكرة الألم، بالعاصمة الإيطالية، تم إطلاق هذه المبادرة الواعدة، (ساعة الاحتفال بالحكم ببراءة الشباب المناضل). وبحضور نخبة من اليسار الإيطالي/ والعالمي. (وحيث تحدث اليهم بعض أعضاء البرلمان الإيطالي والحكومة الإيطالية)، وعدداً من ديناصورات النضال الإيطالي ضد الفاشية. قال لهم ارنيسو ناسيي (ضحية/وشاهد على جرائم الفاشية)، ومناضل مخضرم: “لقد قاوم الشعب الايطالي الفاشية التي عصفت به لفترة، ويعرف العالم كيف كانت نهاية موسيليني على أيدينا. لكن الذي كان غائبا، وحتى أعدتموه للسطح الآن، هو نضال الشعوب في ليبيا /أو القرن الأفريقي، والذي ظل مجهولاً للإيطاليين. حيث لم يكن هناك غير قلة من مؤرخينا من أهتم بتسليط الضوء على ذلك التاريخ الأسود للفاشية في هذه المناطق”، وواصل:”ولعل إيطاليا تسعى لنسيان صفحة الفاشية، ومسحها من الذاكرة الجماعية. حيث يصعب علينا اليوم الإحتفاء بذكرى المناضلين الإيطاليين العظماء الذين واجهوا الفاشية. ولم ننجح مطلقاً في تخليد أسمائهم على بعض شوارع المدن الإيطالية… لذلك نحن نطالب معكم بضرورة مراجعة التاريخ، وفضح ما جرى من بشاعات باسم إيطاليا للأجيال الجديدة، حتى نضمن عدم تكرار ذلك”.
من طرفها شددت المسؤولة عن الأرشيف الوطني الايطالي جوليا باريرا: “فيما يتعلق بوثائق الأرشيف الإيطالي المتعلقة بفترة إحتلال إيطاليا لليبيا، نحن ملزمون بتقاسم ما ورد فيها معكم. وقد تم حتى الآن تسليم عشرة آلاف وثيقة للسلطات الليبية. وإن كان ذلك في سياق عملية سياسية، ليست بالضرورة معنية بالتأريخ الذي يقصده الباحث الملتزم”. في هذا الصدد وأوضح مؤرخ الذاكرة الشفوية، الكسندرو بورتيلي: “نحن ندعو اليوم للتعامل مع مفهوم الأرشيف بوصفه الحاوي للذاكرة الجماعية، التي ترصد لتفاصيل حقبة تاريخية بذاتها. وأن لا يتم إقتصاره على مفهوم”المكان الذي توضع فيه الوثائق، وتغلق عليه الأبواب، ويتم مع الزمن نسيانها. بل يجب ان يتحول لمفهوم أوسع، يعبرعن حيوية التفاعل التاريخي بين مكونات الذاكرة. خاصة الروايات الشفوية/ المستندة لذاكرة “حية” متفاعلة مع الزمان والمكان، متحركة تنتقل من جيل لجيل”.
هنا، وعن هذا الجيل، أختم بالقول، (وحيث ينهض تحالف الشباب الليبي/الإيطالي، للحفر عن الموروث المنسي من نضالات الشعوب ضد الفاشية: المادي/والشفوي، والمكتوب، أو ذلك المدفون في ذاكرة الأجداد، وتحويل بيت غرسياني في ليبيا لمتحف عالمي يجمع كل ذلك). بإن ما يؤسس له، يتعلق بمشروع نضالي “عميق” المعنى، يواجه “عمق” التراجع العالمي عن عصر الإنسانية.